الشيخ محمد اسماعيل فقيه محقق
مرات العرض: «8112» حفظ الصورة
سماحة آية الله الشيخ محمد إسماعيل المحقق قدس سره

ولادته:

ولد الشيخ محمد إسماعيل المحقق - أو محقق فقيه - في إحدى قرى نواحي محافظة بلخ في أفغانسان عام 1348 هـ، وتربى في حجر والديه المؤمنين، ثم تعلّم القراءة والكتابة في بلاده، ودرس شطراً من أوليات الدراسة الحوزوية إلى مقدار من كتاب قوانين الأصول للميرزا القمي رحمه الله.

الهجرة إلى النجف الأشرف:

كما هي عادة العلماء، من أراد الوصول إلى أعلى مراتب العلم فعليه بالهجرة إلى باب مدينة علم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ، ولهذا هاجر الشيخ محمد اسماعيل إلى النجف الأشرف وهو في العشرين من عمره، فأكمل القوانين ودرس اللمعة عند أكابر فضلائها، ثم درس كتابي الرسائل والمكاسب عند المغفور له آية الله الشيخ مجتبى اللنكراني قدس سره وهو الأستاذ الشهير لهذين الكتابين، وحضر الكفاية عند آية الله الشيخ ميرزا حسن اليزدي قدس سره والذي كان أحد المبرزين من العلماء وقد توفي في شبابه وكان يقدّر له أن يكون أحد كبار المراجع في المستقبل، وكانت الدورة التي حضرها الشيخ المحقق آخر دورة كفاية للميرزا حسن اليزدي حيث شرع بعدها في تدريس البحث الخارج.

البحث الخارج

لما انتهى الشيخ المحقق من سطحه العالي وقف عند تلك البحوث العالية في النجف الأشرف حيث كانت الحوزة مزدهرة ببحوث الفحول من الفقهاء والأصوليين، واختار أبرز درسين في تلك الحوزة العريقة حيث حضر عام 1374 تقريباً عند:

1-مرجع الطائفة الفقيه الكبير آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم قدس الله نفسه الزكية في الفقه.

2-زعيم الحوزة العلمية المحقق آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي قدس الله نفسه الزكية فقهاً وأصولاً.

لازم الشيخ المحقق درس السيدين في الفقه أكثر من خمسة عشر عاماً، حضر فيها عند السيد الخوئي من مبحث بيع الفضولي وحضر بعد ذلك مبحث الخيارات ثم حضر شرح طهارة العروة كاملاً ومقداراً كبيراً من الصلاة حتى بحث قضاء الصلوات تقريباً، كما حضر دورتين في الأصول عند المحقق الخوئي.

وفي فترة بقائه في النجف الأشرف تولى تدريس القوانين واللمعة والرسائل والمكاسب والكفاية، وكان درسه مقصداً للطلاب، بحيث نُقل إن حضّار درسه في شرح اللمعة يبلغ الثمانين طالباً.
ومن جهة أخرى كانت عنده مباحثة مع آية الله السيد محمد سرور الواعظ البهسودي رحمه الله صاحب كتاب مصباح الأصول، كما شارك في مجلس الاستفتاء لمرجع الطائفة السيد الحكيم قدس سره.

الهجرة إلى مشهد المقدسة:

في شهر ربيع الأول عام 1390 خرج من النجف قاصداً مشهد الرضا عليه السلام وبقي فيها، وكان موضع اهتمام وتقدير من المرجع الكبير آية الله العظمى السيد محمد هادي الميلاني قدس سره، وقد هيأ السيد الميلاني للشيخ المحقق سبل الاستقرار في مشهد المقدسة ليقوم بوظيفته من تعليم طلبة العلم وتربيتهم، وطوال هذه الفترة واصل تدريس السطح العالي وتخرّج على يديه الكثير من الفضلاء والمدرسين، نعرف منهم: آية الله السيد أحمد التربتي دام ظله، والحجة السيد عبد الهادي المرتضوي الشاهرودي نجل آية الله السيد محمد حسن المرتضوي الشاهرودي دام ظله، والأديب السيد محمد زكي الجعفري الدرة صوفي.
وطالبه الكثير بتدريس الخارج ولكنه كان يمتنع لعدة أسباب، وكان يقول إن مدرسي الخارج كثيرون فأنا سأبقى مدرّساً للسطح العالي لأسد فراغاً من هذه الجهة.
ولعل نظره رحمه الله إلى أنه لابد أن تبقى ظاهرة الأستاذ المتخصص في الكتاب، حيث كان في الحوزات الشريفة أساتذة مشهورون بتدريس كتب معينة، يدرّسونها دورة بعد دورة ويصبحون مقصداً للطلاب على مدى سنوات طويلة، وهذه الظاهرة خفتت في السنوات الأخيرة؛ لأن جمعاً معتداً به من أساتذة الحوزة العلمية يدرّس كتب السطح العالي مرة أو مرتين ثم ينتقل لتدريس البحث الخارج فلا يبقى في تلك المرحلة أساتذة بارزون من ذوي الخبرة في الكتاب.

صفاته:

يتميز الشيخ المحقق بجمال الأخلاق، فترى فيه التواضع الشديد، فهو يتواضع للجميع، ويباشر خدمة ضيوفه بنفسه من تقديم الشاي والفواكة، لا يتكلم عن نفسه ويمدحها، بل تجده يذكر معاصريه ومن يعرفهم بالخير والمدح والثناء، وحديثه لا يُمل ولا يخلو من فائدة علمية وعملية.
وكان رحمه الله زاهداً في الدنيا غير عابئ بحطامها، ومن جميل ما نُقل عنه في هذا الصدد ما ذكره صهره وتلميذه آية الله السيد أحمد الطباطبائي دام ظله من أن أحد تجار أفغانستان اشترى بيتاً كبيراً جداً، وأثثه بتمام الأثاث، ووهبه للشيخ المحقق، حتى أنه كتبه باسمه، وسجل ذلك في الوثائق الرسمية، ولكنه توفي قبل أن يبلغ الشيخ بذلك.

فجاء الورثة ودعوا الشيخ إلى أفغانستان، فلما ذهب - وكان يعيش في مشهد المقدسة - أخذوه إلى البيت، وسلموه الصك والمفتاح، وقالوا: هذا البيت هدية لك من والدنا، وكان الشيخ رحمه الله حينها في أشد الحاجة والضنك، فأرجع ذلك إليهم، وقال: إنّ الهبة يشترط فيها القبول، ووالدكم لم يطلعني على ذلك حال حياته ولذا لم أقبل فلم تنعقد الهبة، فهذا إرث لكم، ورجع إلى مشهد المقدسة.

مؤلفاته:

تقريرات بحث السيد الخوئي في الفقه والأصول (مخطوطة).

وفاته:

توفي مساء يوم عيد الغدير سنة 1436هـ في مشهد المقدسة، وقد نُقل عن بعض أفراد أسرته أنه استيقظ في الساعة الثانية بعد منتصف الليل من تلك الليلة، وجلس على كرسي، فأتته زوجته وقالت له لم استيقظت؟ أبك شيء؟ ألا تريد أن تنام؟
فقال لها: لا يوجد شيء.
ثم أتته ابنته وقالت له نفس الكلام فأجابها بنفس الجواب.
فقالوا له: لم تجلس على الكرسي؟ اجلس على الأرض.
فقال لهم: سأجلس على الأرض.
وبعد مدة بسيطة جلس على الأرض ثم استلقى على ظهره ومدّ رجليه تجاه القبلة وبدأ يتمتم بكلمات.
تقول ابنته رأيته ولم أفهم ما يقول، ثم أتيت نحوه وإذا بروحه قد عرجت لبارئها !


رحم الله من قرأ له ولجميع المؤمنين والمؤمنات سورة الفاتحة مع الصلوات.
الشيخ محمد إسحاق الفياض
الشيخ محمد إسحاق الفياض