هل كان آدم عليه السلام غير متأهل للإمامة؟

السؤال: قال الله تعالى مخاطباً لنبيه إبراهيم الخليل عليه السلام: (لا ينال عهدي الظالمين)، ونحن عرفنا أن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وعرفنا أن الإمامة لا ينالها حتى من ظلم نفسه، فهل نستطيع أن نقول: إن من خالف الأولى لا يمكنه أن ينال درجة الإمامة؛ لأنه ظلم نفسه؟ لأنه جاء في بعض القصص المذكورة في القرآن الكريم ما يدل على أن من خالف الأولى كان ظالماً لنفسه، كما في قصة نبي الله آدم عليه السلام، حيث قال سبحانه: (وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)، فهل نستنتج من الآية أن آدم عليه السلام ليس أهلاً للإمامة؟

الجواب: أن كل من يقول: «إن من ترك  الأولى فهو ظالم لنفسه، فلا يصلح للإمامة»، فإنه لا بد أن يصل إلى نتيجة غير صحيحة، وهي أنه لا يوجد في الناس من يصلح للإمامة في جميع العصور، لا الأنبياء ولا غيرهم، وهذا باطل لا شك في بطلانه؛ لأن بعض آيات القرآن الكريم يظهر منها أن نبينا صلى الله عليه وآله قد فعل ما هو خلاف الأولى، ولهذا عاتبه الله سبحانه على ذلك.

قال تعالى: (عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) [التوبة: 43] . وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [التحريم: 1].

فإذا كان فاعل خلاف الأولى ظالماً لنفسه فإن النبي صلى الله عليه وآله حينئذ لا يصلح للإمامة، وهو باطل بالاتفاق.

وإذا قلنا: «إن النبي صلى الله عليه وآله لم يفعل خلاف الأولى في الموردين المذكورين في الآيتين السابقتين وغيرهما»، فإن العتاب لا داعي له؛ لأنه عتاب على ما لا ينبغي العتاب عليه، وهو باطل.

وعليه فلا بد أن يكون المراد بالظلم في قوله: (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة: 124]  هو فعل المعصية وترك الواجب، دون ترك الأولى أو فعل خلاف الأولى.

والمسلمون وإن اختلفوا في أهلية الفاسق للإمامة، إلا أنهم اتفقوا على أن فعل خلاف الأولى لا يستلزم عدم الصلاحية للإمامة.

وربما يتوهم متوهم من قوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة: 35] ، أن الآية ظاهرة في أن آدم وحواء عليهما السلام لما أكلام من الشجرة فإنهما ظلما أنفسهما بذلك، وبما أن الظالم لا يصلح للإمامة فإن نتيجة الجمع بين الآيتين أن آدم عليه السلام لم يكن صالحاً للإمامة، وهذا باطل جزماً.

ويندفع هذا التوهم بأن الظلم في الآية لا يراد به الظلم بمعناه في قوله تعالى: (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، وهو المعصية المانعة من تولي الإمامة؛ وذلك لأن ظلم النفس له أفراد كثيرة متفاوتة في الشدة والضعف، فإن الشرك ظلم عظيم للنفس، وكذا قتل النفس المحترمة، وكذا الزنا، وشرب الخمر، والغيبة، والنميمة، والكذب، وما شاكل ذلك، وهذه الأفراد كلها معاص تخل بالعدالة، وفاعلها لا يكون أهلا للإمامة، وأما فعل المكروه، وترك المستحب، وترك الأولى، وفعل خلاف الأولى، فإنها وإن كانت ظلماً للنفس (بمعنى تفويت منفعة أو جلب مضرة يسيرة)، إلا أنها ظلم يسير لم يصل إلى حد الإخلال بالعدالة أو إسقاط أهلية الإمامة. وحال هذه الأمور حال من تناول طعاماً غير محرم قد يكون فيه ضرر يسير، كمن أكل على شبع، أو أكل أكلاً كثيراً حتى آلمه بطنه، أو تناول طعاماً لم تراع فيه النظافة أو ما شاكل ذلك، فإن من تناول شيئا من هذه الأطعمه فقد ظلم نفسه، لكن ظلمه لنفسه لم يصل إلى الدرجة المنافية للعدالة، بخلاف أكل اللحوم غير المذكاة فإنه ظلم للنفس مخل بالعدالة.

وعليه فيكون المراد بالظالم في قوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) هو المتسبب في حرمان نفسه من الثواب العظيم والموقع لها في المصاعب والمتاعب من غير رجحان في ذلك، أو أمل في الحصول على منفعة أكبر بعد ذلك، فإن الله تعالى حذر آدم وحواء عليهما السلام من أنهما إن أكلا من تلك الشجرة فإنهما سيقعان في المصاعب والمتاعب والآلام والأسقام وغير ذلك، عندما يخرجان من الجنة، ويهبط بهما إلى الأرض، وهذا إيذاء للنفس ونوع من الظلم لها من غير موجب، لكنه لا يخل بالعدالة ولا يسقط أهلية الإمامة.

قال أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي قدس سره: وقوله: (فتكونا من الظالمين) أي تكونا بأكلها من الظالمين لأنفسكما، ويجوز أن يقال لمن بخس نفسه الثواب أنه ظالم لنفسه، كقوله تعالى حكاية عن أيوب: (إني كنت من الظالمين)، حيث بخس نفسه الثواب بترك المندوب إليه. (مجمع البيان 1/188).

وقال العلامة الطباطبائي قدس سره: قوله تعالى: (فتكونا من الظالمين)، من الظلم لا من الظلمة على ما احتمله بعضهم، وقد اعترفا بظلمهما حيث قالا على ما حكاه الله تعالى عنهما: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا)، إلا أنه تعالى بدل في سورة طه هذه الكلمة أعني قوله: (فتكونا من الظالمين) من قوله: (فتشقى) والشقاء هو التعب، ثم فسر التعب وفصله، فقال: (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى) الآيات. ومن هنا يظهر أن وبال هذا الظلم إنما كان هو الوقوع في تعب حياة هذه الدنيا من جوع وعطش وعراء وعناء، وعلى هذا فالظلم منهما إنما هو ظلمهما لأنفسهما، لا بمعنى المعصية المصطلحة والظلم على الله سبحانه، ومن هنا يظهر أيضا أن هذا النهى أعني قوله: (ولا تقربا)، إنما كان نهيا تنزيهيا إرشاديا يرشد به إلى ما فيه خير المكلف وصلاحه في مقام النصح، لا نهيا مولويا. فهما إنما ظلما أنفسهما في ترك الجنة، على أن جزاء المخالفة للنهي المولوي التكليفي يتبدل بالتوبة إذا قبلت، ولم يتبدل في موردهما، فإنهما تابا وقبلت توبتهما، ولم يرجعا إلى ما كانا فيه من الجنة، ولولا أن التكليف إرشادي ليس له إلا التبعة التكوينية دون التشريعية لاستلزام قبول التوبة رجوعهما إلى ما كانا فيه من مقام القرب. (الميزان في تفسير القرآن 1/130).

ومما قلناه يتضح أنه ليس كل ظلم للنفس بمعناه الواسع يخل بالعدالة أو يمنع من التأهل للإمامة، وإنما يخل بالعدالة ويمنع من أهلية الإمامة الظلم الذي هو معصية لله تعالى، دون غيره.