فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني

مسجد إبراهيم الخليل (ع) في سيهات

روى الشيعة وأهل السنة في كتبهم أن رسول الله قال: فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني. (صحيح البخاري 3/1144).

وفي بعضها، أنه قال: إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها. (صحيح مسلم 4/1903).

وفي بعضها: قال: فإنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها. (صحيح مسلم 4/1902).

وفي بعضها: قال : فاطمة بضعة مني وأنا منها، فمن آذاها فقد آذاني، من آذاني فقد آذى الله. (علل الشرائع 1/219).

وهذه الأحاديث تدل على فضيلة عظيمة لسيدة نساء العالمين ، وهذه الفضيلة لم تثبت لغير فاطمة عليها السلام، لا من الرجال ولا من النساء.

ولكن النبي عادة ما يقول الفضائل في مناسبات وحوادث،  فما هي المناسبة التي قال النبي فيها هذه الفضيلة؟

قيل: إن ذلك بسبب أن أمير المؤمنين عليه السلام آذى فاطمة في موردين:

 

الأول:  خطبة أمير المؤمنين عليه السلام بنت أبي جهل:

في علل الشرائع 1/219: حدثنا علي بن أحمد قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن يحيى عن عمرو بن أبي المقدام وزياد بن عبد الله قالا : أتى رجل أبا عبد الله فقال له : يرحمك الله هل تشيع الجنازة بنار ويمشي معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك مما يضاء به ؟ قال فتغير لون أبى عبد الله من ذلك واستوى جالسا، ثم قال: إنه جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة بنت رسول الله ، فقال لها: أما علمت أن عليا قد خطب بنت أبي جهل، فقالت: حقا ما تقول؟ فقال: حقا ما أقول ثلاث مرات، فدخلها من الغيرة ما لا تملك نفسها، وذلك أن الله تبارك وتعالى كتب على النساء غيرة، وكتب على الرجال جهاداً، وجعل للمحتسبة الصابرة منهن من الأجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله، قال: فاشتد غم فاطمة من ذلك، وبقيت متفكرة هي، حتى أمست وجاء الليل حملت الحسن على عاتقها الأيمن، والحسين على عاتقها الأيسر، وأخذت بيد أم كلثوم اليسرى بيدها اليمنى، ثم تحولت إلى حجرة أبيها، فجاء علي فدخل حجرته، فلم ير فاطمة، فاشتد لذلك غمه، وعظم عليه، ولم يعلم القصة ما هي، فاستحيى أن يدعوها من منزل أبيها، فخرج إلى المسجد يصلي فيه ما شاء الله، ثم جمع شيئا من كثيب المسجد واتكى عليه، فلما رأى النبي ما بفاطمة من الحزن، أفاض عليها من الماء، ثم لبس ثوبه ودخل المسجد، فلم يزل يصلي بين راكع وساجد، وكلما صلى ركعتين دعا الله أن يذهب ما بفاطمة من الحزن والغم، وذلك أنه خرج من عندها وهي تتقلب وتتنفس الصعداء، فلما رآها النبي أنها لا يهنيها النوم، وليس لها قرار، قال لها: قومي يا بنية. فقامت، فحمل النبي الحسن، وحملت فاطمة الحسين، وأخذت بيد أم كلثوم، فانتهى إلى علي وهو نايم فوضع النبي رجله على رجل علي فغمزه وقال: قم يا أبا تراب، فكم ساكن أزعجته، ادع لي أبا بكر من داره، وعمر من مجلسه، وطلحة، فخرج علي فاستخرجهما من منزلهما، واجتمعوا عند رسول الله ، فقال رسول الله : يا علي أما علمت أن فاطمة بضعة مني، وأنا منها، فمن آذاها فقد آذاني، من آذاني فقد آذى الله، ومن آذاها بعد موتى كان كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي، قال: فقال علي: بلى يا رسول الله، قال: فما دعاك إلى ما صنعت؟ فقال علي: والذي بعثك بالحق نبيا، ما كان مني مما بلغها شيء، ولا حدثت بها نفسي، فقال النبي: صدقت، وصدقت، ففرحت فاطمة عليها السلام بذلك، وتبسمت حتى رئي ثغرها، فقال أحدهما لصاحبه: إنه لعجب لحينه ما دعاه إلى ما دعانا هذه الساعة! قال : ثم أخذ النبي بيد علي فشبك أصابعه بأصابعه فحمل النبي الحسن، وحمل الحسين علي، وحملت فاطمة أم كلثوم، وأدخلهم النبي بيتهم، ووضع عليهم قطيفة، واستودعهم الله، ثم خرج، وصلى بقية الليل... إلى آخر الحديث.

 

ç سند الحديث:

الحديث ضعيف السند، لأن من جملة رواته عمرو ابن أبي المقدام وهو لم تثبت وثاقته، وفيها زياد بن عبد الله وهو مهمل لم يذكر في كتب الرجال.

 

ç دلالة الحديث:

1- أن الحديث لا يدل على أن أمير المؤمنين عليه السلام خطب بنت أبي جهل، وإنما كان إشاعة أثيرت من أجل إيذاء فاطمة، ولهذا أطلق الإمام على من أخبر فاطمة عليها السلام بذلك شقيا من الأشقياء.

2- النبي علم من أثار الإشاعة ولهذا دعا أشخاصا معينين وحذرهم من إغضاب فاطمة عليها السلام بعد موته، لإقامة الحجة، وبما أن هذه المسألة خاصة تخص عليا وفاطمة ، فالمتوقع من رسول الله أن يعالجها داخليا من دون أن يذكرها للناس على المنبر، مع أن روايات أهل السنة ذكرت ذلك أيضا.

رواية البخاري 2/957: عن محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي حدثه أن ابن شهاب حدثه أن علي بن حسين حدثه: أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل حسين بن علي رحمة الله عليه لقيه المسور بن مخرمة فقال له هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ فقلت له: لا، فقال له: فهل أنت معطي سيف رسول الله فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه، وايم الله لئن أعطيتنيه لا يُخلص إليه أبدا حتى تبلغ نفسي إن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة عليها السلام فسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم فقال: (إن فاطمة مني وأنا أتخوف أن تفتن في دينها). ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه. قال: (حدثني فصدقني، ووعدني فأوفى لي وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله أبدا).

وأخرج البخاري 3/1681: عن المسور بن مخرمة قال سمعت رسول الله يقول وهو على المنبر: (إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما هي بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما أذاها).

 

وفي صحيح مسلم 4/1902: أن المسور بن مخرمة حدثه: أنه سمع رسول الله على المنبر وهو يقول: إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي، وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها.

 

 

ç أسانيد الروايات:

1- تنتهي هذه الروايات إلى ثلاثة رواة: أبو هريرة، وعبد الله بن الزبير، والمسور بن مخرمة، وكلهم منحرفين عن أمير المؤمنين .

ورواية البخاري السابقة مروية عن المسور بن مخرمة: وهو من المناوئين لأمير المؤمنين ، وقد ذكر الذهبي في ترجمته في سير أعلام النبلاء 3/390 ما يلي:

 

| وعن عطاء بن يزيد قال : كان ابن الزبير لا يقطع أمرا دون المسور بمكة .

| قال الزبير بن بكار : كانت الخوارج تغشاه ، وينتحلونه.

ثم إن الذهبي ذكر أنه ولد في السنة الثانية من الهجرة، وحادثة الخطبة حدثت في حياة رسول الله فلا يكون محتلماً.

قال ابن حجر في فتح الباري: في رواية الزهري عن علي بن حسين عن المسور الماضية في فرض الخمس (يخطب الناس على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم) قال ابن سيد الناس: هذا غلط. والصواب ما وقع عند الإسماعيلي بلفظ (كالمحتلم) أخرجه من طريق يحيى بن معين عن يعقوب بن إبراهيم بسنده المذكور إلى علي بن الحسين، قال: والمسور لم يحتلم في حياة النبي ، لأنه ولد بعد ابن الزبير، فيكون عمره عند وفاة النبي ثماني سنين.‏

  

|  ثم ما هو ربط السيف بخطبة أمير المؤمنين لبنت أبي جهل. قال ابن حجر في فتح الباري: كما أن رسول الله كان يحب رفاهية خاطر فاطمة عليها السلام، فأنا أيضا أحب رفاهية خاطرك، لكونك ابن ابنها، فأعطني السيف حتى أحفظه لك قلت: وهذا الأخير هو المعتمد.

 |ثم لماذا تؤاخذ بنت أبي جهل وهي مسلمة، بذنب أبيها الكافر؟

 |ثم لماذا يحرم النبي حلالا، ولماذا يشترط للموافقة على زواج أمير المؤمنين طلاق ابنته ؟

 |ثم إن نساء الأمة يصبرن على الضرة فهل يعقل أن فاطمة عليه السلام لا تصبر وتفتن في دينها وهي سيدة نساء العالمين، وهي قدوة لنساء العالمين؟

| ثم إن الرواية ذكرت أن بني هشام بن المغيرة استأذنوا، وفي رواية استأذنوا رسول الله ولم يقدم أمير المؤمنين على خطبة بنت أبي جهل.

 

 

الثاني:   غضب فاطمة عليها السلام من أمير المؤمنين في موارد أخرى:

(1) رواية أبي ذر الغفاري :

عن أبي ذر رحمة الله عليه قال : كنت أنا وجعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة، فأهديت لجعفر جارية قيمتها أربعة آلاف درهم، فلما قدمنا المدينة أهداها لعلي تخدمه، فجعلها علي في منزل فاطمة، فدخلت فاطمة عليها السلام يوما، فنظرت إلى رأس علي عليه السلام في حجر الجارية، فقالت: يا أبا الحسن فعلتها؟ فقال: لا والله يا بنت محمد، ما فعلت شيئا، فما الذي تريدين؟ قالت: تأذن لي في المصير إلى منزل أبي رسول الله ، فقال لها: قد أذنت لك. فتجلببت بجلبابها، وتبرقعت ببرقعها، وأرادت النبي ، فهبط جبرئيل ، فقال: يا محمد إن الله يقرئك السلام، ويقول لك: إن هذه فاطمة قد أقبلت إليك تشكو عليا، فلا تقبل منها في علي شيئا، فدخلت فاطمة، فقال لها رسول الله : جئت تشكين عليا؟ قالت: إي ورب الكعبة، فقال لها: ارجعي إليه فقولي له: رغم أنفي لرضاك، فرجعت إلى علي فقالت له: يا أبا الحسن رغم أنفي لرضاك، تقولها ثلاثا، فقال لها علي : شكوتيني إلى خليلي وحبيبي رسول الله ؟ واسوأتاه من رسول الله ، أشهد الله يا فاطمة إن الجارية حرة لوجه الله، وإن الأربعمائة درهم التي فضلت من عطائي صدقة على فقراء أهل المدينة، ثم تلبس وانتعل، وأراد النبي ، فهبط جبرئيل، فقال: يا محمد إن الله يقرئك السلام، ويقول لك: قل لعلي: قد أعطيتك الجنة بعتقك الجارية في رضا فاطمة، والنار بالأربعمائة درهم التي تصدقت بها، فأدخل الجنة من شئت برحمتي، وأخرج من النار من شئت بعفوي، فعندها قال علي : أنا قسيم الله بين الجنة والنار. (علل الشرائع 1/195).

 

ç سند الرواية:

ضعيفة السند : فيها الحسن بن عرفة، ووكيع، ومحمد بن إسرائيل، وكلهم لم تثبت وثاقتهم، كما أن الرواية فيها أبو صالح وهو مشترك بين جماعة، فالرواية سندها مظلم جدا.

مضافاً إلى أن في الرواية أن أبا ذر هاجر إلى الحبشة، ولم تعرف لأبي ذر هجرة إلى الحبشة كما هو معلوم من سيرته.

| رويت روايات ضعيفة أخرى تدل على وقوع بعض الاختلاف بين علي وفاطمة لأنها مخالفة لأصول المذهب.

| قال الشيخ الصدوق قدس سره: ليس هذا الخبر عندي بمعتمد، ولا هو لي بمعتقد في هذه العلة، لأن عليا عليه السلام وفاطمة عليها السلام ما كان ليقع بينهما كلام يحتاج رسول الله إلى الإصلاح بينهما؛ لأنه سيد الوصيين، وهي سيدة نساء العالمين مقتديان بنبي الله في حسن الخلق. (علل الشرائع 1/187).

| وقال المجلسي (قده) في البحار 43/146: والأخبار المشتملة على منازعتهما مؤولة بما يرجع إلى ضرب من المصلحة، لظهور فضلهما على الناس، أو غير ذلك مما خفي علينا جهته.

 

وأود في ختام البحث أن أنبه على أن قول النبي في هذا الحديث: (يؤذيني ما يؤذيها) أنه لا يجوز إيذاؤها بأي نحو وبأي مبرر، وأن كل من آذاها فقد أخطأ، وهذا يدل على عصمتها سلام الله عليه، وإلا فإن غير المعصوم يجوز إيذاؤه إذا أخطأ.

 

ولهذا فإن الله تعالى قال: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة: 61]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً [الأحزاب:57]، فكل من يؤذي الله تعالى ورسوله فهو مخطئ، ولا يمكن تبرير إيذائه بأي مبرر، وكذلك من آذى فاطمة، لأن من آذاها فقد آذى رسول الله .

ولكن قد يقول قائل: إن المؤمن والمؤمنة لا يجوز إيذاؤهما، فحالهما حال فاطمة عليها السلام.

والجواب: أن الله تعالى قال: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب: 58]، وهذا يدل على أنه يجوز إيذاء المؤمن والمؤمنة بما اكتسبا من الإثم، ولهذا يجوز إقامة الحدود عليهما، ونهيهما عن المنكر وإن كان ذلك يؤذيهما.