زواج المتعة ... حلال

اتفق علماء الشيعة الإمامية قديماً وحديثاً على حلية زواج المتعة، ولا يوجد فيهم مخالف واحد، وقد دل على مشروعيته الكتاب والسنة.

أما من كتاب الله تعالى فقوله سبحانه: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾. [سورة النساء: 24].

فإن هذه الآية أرادت نكاح المتعة كما اعترف به بعض مفسري أهل السنة.

قال القرطبي: وقال الجمهور: المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام. وقرأ ابن عباس وأُبَيّ وابن جبير: (فما استمتعتم  به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن)، ثم نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم. (الجامع لأحكام القرآن 5/129).

وقال الطبري: وقال آخرون: بل معنى ذلك: فما تمتّعتم به منهن بأجرٍ تمتُّعَ اللذة، لا بنكاح مطلق على وجه النكاح الذي يكون بوليٍّ وشهود ومهر. ذِكْر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن مفضل قال: ثنا أسباط عن السدي: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة)، فهذه المتعة، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمَّى، ويُشهد شاهدين، وينكح بإذن وليِّها، وإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل، وهي منه بريَّة، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها، وليس بينهما ميراث، ليس يرث واحد منهما صاحبه.

حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ﴾ قال: يعني نكاح المتعة.

حدثنا أبو كريب قال: ثنا يحيى بن عيسى قال: ثنا نصير بن أبي الأشعث قال: ثني حبيب بن أبي ثابت عن أبيه قال: أعطاني ابن عباس مصحفاً، فقال: هذا على قراءة أُبَيّ. قال أبو بكر: قال يحيى: فرأيت المصحف عند نصير، فيه: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى).

حدثنا حميد بن مسعدة قال: ثنا بشر بن المفضل قال: ثنا داود عن أبي نضرة قال: سألتُ ابن عباس عن متعة النساء، قال: أما تقرأ سورة النساء؟ قال: قلت: بلى. قال: فما تقرأ فيها (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمَّى)؟ قلت: لا، لو قرأتُها هكذا ما سألتك. قال: فإنها كذا...

حدثنا ابن المثنى قال: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة عن أبي سلمة عن أبي نضرة قال: قرأتُ هذه الآية على ابن عباس (فما استمتعتم به منهن)، قال ابن عباس: (إلى أجل مسمَّى). قال: قلت: ما أقرؤها كذلك. قال: والله لأنزلها الله كذلك (ثلاث مرات)...

حدثنا ابن بشار قال: ثنا عبد الأعلى قال: ثنا سعيد عن قتادة قال: في قراءة أُبَي ابن كعب (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى).

حدثنا محمد بن المثنى قال: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة عن الحكم قال: سألته عن هذه الآية (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) إلى هذا الموضع (فما استمتعتم  به منهن) أمنسوخة هي؟ قال: لا. قال الحكم: قال علي رضي الله عنه: لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي.

حدثني المثنى قال: ثنا أبو نعيم قال: ثنا عيسى بن عمر القارئ الأسدي عن عمرو بن مرة أنه سمع سعيد بن جبير يقرأ (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن) (تفسير الطبري 5/9-10).

 

وأما ما دل على حلية نكاح المتعة من السنة فقد وردت روايات مستفيضة بل متواترة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام.

منها: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يستحب للرجل أن يتزوج المتعة، وما أحب للرجل منكم أن يخرج من الدنيا حتى يتزوج المتعة ولو مرة. (وسائل الشيعة 14/443).

ومنها: صحيحة أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن متعة النساء، قال: حلال، وإنه يجزي فيه الدرهم فما فوقه. (الكافي 5/457. وسائل الشيعة 14/470).

ومنها: صحيحة علي السائي قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: جُعلت فداك، إني كنت أتزوج المتعة، فكرهتها وتشأمت بها، فأعطيت الله عهداً بين الركن والمقام، وجعلت عليَّ في ذلك نذراً وصياماً ألا أتزوّجها، ثم إن ذلك شقَّ عليَّ، وندمت على يميني، ولم يكن بيدي من القوة ما أتزوج علانية. قال: فقال لي: عاهدتَ الله أن لا تطيعه، والله لئن لم تطعه لتعصينّه. (الكافي 5/450. وسائل الشيعة 14/444).

ومما ورد من طريق أهل السنة، ما أخرجه البخاري في صحيحه بسنده عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: أنزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء. (صحيح البخاري 1/468).

وعن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء فقلنا ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، فرخص لنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب، ثم قرأ: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم).

وعن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا: كنا في جيش، فأتانا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا.

 وقال ابن أبي ذئب: حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال، فإن أحبا أن يتزايدا أويتتاركا تتاركا). فما أدري أشيء كان لنا خاصة أم للناس عامة؟

وأخرج مسلم في صحيحه بسنده عن عطاء قال: قدم جابر بن عبد الله معتمراً، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء، ثم ذكروا المتعة، فقال: نعم، استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعمر.

وعن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث. (صحيح مسلم 2/1023).

وبسنده عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبد الله، فأتاه آتٍ فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين. فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نهانا عنهما عمر، فلم نَعُدْ لهما. (صحيح مسلم 2/1023).

 

وعن خالد بن دريك أن مطرفاً عاد عمران ابن حصين فقال له: إني محدِّثك حديثاً، فإن برئتُ من وجعي فلا تحدِّث به، ولو مضيتُ لشأني فحدِّث به إن بدا لك، إنا استمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم ينهنا عنه حتى مات صلى الله عليه وسلم، رأى رجل رأيه. (صحيح ابن حبان 9/244).

 

  والأحاديث الصحيحة المبيحة للمتعة كثيرة بل متواترة، لا حاجة لذكرها كلها.

وأما ادعاء نسخ الآية المباركة بالأحاديث الناهية عن المتعة فيمكن رده بأمرين:

1- أن السنة غير المتواترة لا تنسخ القرآن الكريم، وأحاديث النهي عن المتعة - لو سلمنا بدلالتها على التحريم - ليست متواترة من جهة، ومتضاربة من جهة أخرى، فكما أن جملة منها قد ورد فيها النهي عن المتعة، فإن طائفة أخرى ذكرنا بعضها قد دلت على حلية هذا النوع من النكاح، وما كان كذلك لا يصلح لنسخ شيء من آيات الكتاب العزيز.

2- أن الأحاديث المروية عند أهل السنة لا تدل على تحريم نكاح المتعة، وذلك لأن الوارد في تلك الأحاديث هو نهي النبي صلى الله عليه وآله عن نكاح المتعة في بعض غزواته كيوم خيبر ويوم فتح مكة، وهذا النهي لا يدل على التحريم؛ لأنه نهي مؤقت اقتضته حالة الصحابة حينئذ، لأنه يراد منهم مواجهة الأعداء ومحاربتهم، وعدم النهي عن المتعة ربما يقتضي انشغالهم بمباضعة النساء عن الجهاد، ونظير ذلك ما ورد من النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر؛ لأن المسلمين كانوا يحتاجون ظهور حميرهم، لحمل أمتعتهم، وكان تلك الحاجة أشد من حاجتهم إلى لحومها.

والحاصل أن ما على حلية زواج المتعة لم نجد له ما ينسخه، فتبقى حلية نكاح المتعة على حالها.