خلافاتنا الوهمية

كم أشعر بالأسى حينما أتأمل ما نعانيه من الاختلافات والتكتلات والانقسامات، التي جعلها البعض أساساً في التعاملات بين الفئات، وصار تقييم الأشخاص بلحاظ الخطوط، لا بلحاظ الكفاءات، واختلف الحكم على جدوى كل عمل اجتماعي باختلاف التوجهات، حتى صارت الموافقة في الخط أساساً في التعاون في كل عمل جماعي أو اجتماعي أو ديني، والمخالفة في الخط صارت سبباً لإغلاق الباب أمام كل مبادرة لمحاولة جمع هذه الفئات في عمل واحد يصب في مصلحة الجميع.

ومن الغريب أن نرى من لا يقيم وزناً لكل من لا يسير في خطه أو ينهج نهجه، بل يرى كل الخارجين عن خطه منحرفين عن الدين، لا تجوز مشاركتهم في شيء.

ولا ريب في أن هذا النحو من التفكير ناشئ من عدم المعرفة بتعاليم الإسلام ومبادئه التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وبلغها أئمة أهل البيت عليهم السلام، وذلك لأن اختلاف التقليد لا يعني اختلاف الخطوط، فإن العلماء الذين يرجع إليهم الناس في تقليدهم كلهم ينهلون من منبع واحد، وكلهم يحثون أتباعهم ومقلديهم على الألفة مع أبناء الطوائف الأخرى، فضلاً عن أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام.

إذا نظر هؤلاء الإخوة الذين يتوهمون أن لهم خطاً مغايراً لغيرهم من أتباع مذهب أهل البيت، وتأملوا صلاتهم وصيامهم وحجَّهم وغيرها من عباداتهم ومعاملاتهم، لا يجدون بينها وبين عبادات غيرهم ومعاملاتهم أي فرق يذكر، وهذا يدل بوضوح على أن هذه الخطوط المتغايرة ما هي إلا أوهام في عقول أصحابها، دون أن يكون لها أي وجود في أرض الواقع.

وإذا كان الداعي إلى تقليد هذا المرجع أو ذاك هو تحصيل رضا الله سبحانه وتعالى، فإن رضا الله سبحانه لا ينال بجعل التقليد سببا للنفرة والقطيعة والخلاف والشقاق مع سائر المؤمنين الذين يشتركون مع هؤلاء في المعتقد والمصير والهدف وغيرها من الأمور المعلومة.

وفي حقيقة الأمر أننا عندما نتصور أن الدواعي لمثل هذه الانقسامات والتكتلات هي دواعي دينية فنحن مخطئون في ذلك، بل كل الدواعي لا تتعدى كونها دنيوية محضة، ولا تتعدى جمع الأتباع والوجاهة والأموال وغيرها، لأنا لم نجد أي اختلاف ديني ذي بال بين هذه التوجهات، حتى يصح القول بأن سبب الانقسام دينياً؟!