قبس من ذكرى مقتل أمير المؤمنين عليه السلام

تمر علينا في هذه الليالي ذكرى مقتل أمير المؤمنين وسيد الوصيين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام..

هذه الذكرى الأليمة التي فجع بها الإسلام، وأثكل بها رسول الله صلى الله عليه وآله، وأدمت قلوب المؤمنين إلى يوم القيامة.

إن حادثة مقتل أمير المؤمنين عليه السلام في شهر رمضان المبارك في سنة 40 من الهجرة، تثير في النفوس كثيراً من التساؤلات التي تكشف لنا عن كثير من الحقائق، وتوضح لنا الصورة الحقيقية للناس في ذلك العصر.

عندما ننظر في الأحاديث النبوية الشريفة التي وردت في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، نجد أنها كثيرة جداً، وأنها قد اشتملت على بيان أفضليته عليه السلام على سائر الصحابة، ودلت على خلافته بلا فصل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأوجبت موالاته، ومحبته، وحذَّرت من حربه وسبه وبغضه وعداوته.

منها: قوله صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلي مولاه. (سنن الترمذي 5/633 وقال: حديث حسن صحيح).

وقوله: لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق. (صحيح مسلم 1/86).

وقوله: لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. (صحيح البخاري 5/22).

وقوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. (صحيح البخاري 5/24).

وقوله: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب. (المستدرك 3/126).

وقوله: أنت أخي في الدنيا والآخرة. (سنن الترمذي 5/636 وقال: حديث حسن).

وقوله: من أحب عليًّا فقد أحبَّني، ومن أبغض عليًّا فقد أبغضني. (المستدرك 3/130، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي).

وقوله: من سبَّ عليًّا فقد سبَّني، ومن سبَّني فقد سبَّ الله. (المستدرك 3/121، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي).

وقوله: من آذى عليًّا فقد آذاني. (المستدرك 3/122، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي).

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تؤكد ما قلناه. إلا أنا إذا نظرنا إلى الحوادث التاريخية نرى أن كثيراً من معاصري أمير المؤمنين عليه السلام قد اجتمعوا على إقصائه، ومنابذبته، ومعاداته، وبغضه، وسبِّه.

قال ابن تيمية في منهاج السنة 7/137: ومعلوم أن الله قد جعل للصحابة مودة في قلب كل مسلم، لا سيما الخلفاء رضي الله عنهم، لا سيما أبو بكر وعمر، فإن عامة الصحابة والتابعين كانوا يودونهما وكانوا خير القرون، ولم يكن علي كذلك، فإن كثيراً من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبونه ويقاتلونه.

فهل يحق لمنصف أن يتجاوز كل الأحاديث السابقة ويصحح فعل من عادى الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وسبَّه وأبغضه، أو يبرر فعله بأنه قد اجتهد فأخطأ أو أصاب؟

وهل يحق لمنصف أن يتأسى بكل صحابي مع ما صدر منهم من أمثال هذه المخالفات الصريحة لأقوال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وأفعاله؟

وهل يحق لمنصف أيضاً أن ينظر إلى كل الصحابة نظرة مثالية، ويحيطهم بهالة من القداسة، والحصانة بحيث لا يجوز معها تخطئة أي واحد منهم، أو التجرؤ عليه بتفسيق أو تضليل مع كل ما صدر منه من المخالفات الواضحة للكتاب والسنة؟

هذه تساؤلات تحمل في طياتها الجواب، وهو لا يخفى على كل فطن لبيب.