ما رأيكم في ذلك؟
عقيدة الشيعة الإمامية في الله تعالى أنه لا يُرى، لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يحل في مكان ولا في جهة، ولا يخضع للزمان، ولا يشار إليه، ولا ينزل إلى السماء الدنيا، ومن قال بذلك فقد وصفه بأوصاف المخلوقين، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً.
وأما من قال: «إنه تعالى يُرى يوم القيامة»، فقد شبّهه بخلقه، وحكم عليه بكونه جسماً، ووصفه بأنه محتاج للمكان، والله سبحانه وتعالى منزّه عن كل ذلك؛ لقوله سبحانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: 11].
والأحاديث التي رواها المخالفون في رؤية الله تعالى لم تثبت عن رسول الله
، فلا قيمة لها بنظرنا؛ لأنها رُويت عن رجال غير ثقات عندنا، مع أنها مخالفة لما أثبته العقل من أن الله تعالى لو صحَّت رؤيته لكان جسماً محتاجاً للمكان؛ لأنه سيكون إما مقابلاً للرائي أو في حكم المقابل له، وهذا معناه أنه تعالى محتاج إلى المكان والجهة، مضافاً إلى أن المرئي لا بد أن تكون له صورة خاصة به، وما كان كذلك فهو محدود، وثبوت كل هذه الصفات له تقتضي تشبيهه بخلقه، والله تعالى منزّه عن ذلك.
ومسألة نزول الله سبحانه إلى السماء الدنيا غير صحيحة، وقد أنكرها أهل السنة، ولأهل السنة في ذلك موقف معروف.
قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: قوله: «ينزل ربُّنا إلى السماء الدنيا» استدل به من أثبت الجهة، وقال: «هي جهة العلو»، وأنكر ذلك الجمهور؛ لأن القول بذلك يفضى إلى التحيُّز، تعالى الله عن ذلك، وقد اختلف في معنى النزول على أقوال، فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته، وهم المشبِّهة، تعالى الله عن قولهم، ومنهم من أنكر صحَّة الأحاديث الواردة في ذلك جملة، وهم الخوارج والمعتزلة، وهو مكابرة، والعجب أنهم أوَّلوا ما في القرآن من نحو ذلك، وأنكروا ما في الحديث، إما جهلاً وإما عناداً، ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمناً به على طريق الإجمال، منزِّهاً الله تعالى عن الكيفية والتشبيه، وهم جمهور السلف، ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة، والسفيانين، والحمادين، والأوزاعي، والليث، وغيرهم، ومنهم من أوَّله على وجه يليق مستعمل في كلام العرب. (فتح الباري 3/23).
ومن أهل السنة من أول النزول بتأويلات مشهورة.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: قوله : «ينزل ربُّنا كل ليلة إلى السماء الدنيا، فيقول: مَن يدعوني فأستجيب له»، هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيه مذهبان مشهوران للعلماء سبق إيضاحهما في كتاب الإيمان، ومختصرهما أن أحدهما: وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى، وأن ظاهرها المتعارف في حقِّنا غير مراد، ولا يُتكلم في تأويلها، مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق، وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق. والثاني: مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف، وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي أنها تُتأوَّل على ما يليق بها بحسب مواطنها، فعلى هذا تأوَّلوا هذا الحديث تأويلين:
أحدهما: تأويل مالك بن أنس وغيره، معناه: تنزل رحمته وأمره وملائكته، كما يقال: «فَعَلَ السلطان كذا» إذا فَعَلَه أتباعه بأمره.
والثاني: أنه على الاستعارة، ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف، والله أعلم. (صحيح مسلم بشرح النووي 6/36).
هذا مع أن الله تعالى لا يحتاج إلى النزول إلى السماء الدنيا لمخاطبة خلقه، فإنه إذا كانت الغاية من النزول إسماع خلقه فإن الناس لا يسمعون نداء الرب سبحانه رغم نزوله إلى السماء الدنيا، مع ما في ذلك من نسبة العجز إلى الله عن إسماع خلقه من دون نزول إلى السماء الدنيا.
مضافاً إلى أن نزوله تعالى يستلزم نفي صفة العلو عنه التي يقول بها السلفية؛ لأنه تعالى إذا نزل إلى السماء الدنيا، فإن السماوات السبع الباقية ستكون فوقه، فتنتفي بذلك صفة العلو.
مضافاً إلى أن صفة النزول تستلزم القول ببقاء الله في السماء الدنيا أبد الآبدين؛ لأن حلول الليل يختلف زماناً من منطقة لأخرى، فينتقل الليل من الشرق إلى الغرب، فلا مناص من انتقاله تعالى مع الليل من مكان إلى مكان، والأرض لا يخلو جزء منها من الليل في جميع الأوقات.
مع أن نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا يستلزم أن تقله السماء، فيكون محتاجاً إليها، وحالاً فيها، وهي محيطة به، مع أن الله تعالى يقول: (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) [فصلت: 54].
ولأجل ذلك كله قلنا: إن أحاديث الرؤية، والنزول، والحاجة إلى المكان، كلها روايات إسرائيلية محضة، لم تصدر من رسول الله صلى الله عليه وآله وإن رواها أصحاب الصحاح؛ لأنها كلها تدل على التشبيه والتجسيم الذي أنكره كل علماء المسلمين ما عدا السلفية.
ولو تنزلنا وقلنا بصحتها لأجل ورودها في الصحيحين فلا مفر حينئذ من تأويلها كما فعل أئمة السلف مثل النووي والبيهقي وابن حجر وغيرهم.
وكل من وصف الله تعالى بأوصاف المخلوقين فهو لم يعرفه، ومن عبد شيئاً بهذه الصفة فقد عبد غير الله تعالى؛ لأنه يعبد شيئاً تصوَّره بوهمه، وتخيله بخياله، ولم يعبد الله سبحانه.
والشيعة لا يكفّرون من وصف الله تعالى بهذه الأوصاف عن شبهة، كما هو حال هؤلاء القائلين بهذه الصفات.
قال السيد الخوئي قدّس سره: ومنهم من يدعي أنه تعالى جسم، ولكن لا كسائر الأجسام كما ورد أنه شيء لا كالأشياء، فهو قديم غير محتاج. ومثل هذا الاعتقاد لا يستتبع الكفر والنجاسة، أما استلزامه الكفر من أجل أنه إنكار للضروري حيث إن عدم تجسّمه من الضروري فهو يبتني على الخلاف المتقدم من أن إنكار الضروري هل يستلزم الكفر مطلقاً، أو أنه إنما يوجب الكفر فيما إذا كان المنكر عالماً بالحال، بحيث كان إنكاره مستلزماً لتكذيب النبي صلى الله عليه وآله. (كتاب الطهارة 3/71).
والشيخ المظفر قدس سره لم يقل: إن من قال بذلك فهو كافر، وإنما قال: «فإنه بمنزلة الكافر به»، أي أنه يشبه الكافر بالله في أن كلاً منهما لم يعبد الإله الحق.
ولو نظرنا إلى ما قاله بعض علماء أهل السنة فإنا نجد أنهم يكفرون من وصف الله تعالى بأوصاف المخلوقين.
قال ابن حجر الهيتمي: ولا يغتر بإنكار ابن تيمية لسن زيارته، فإنه عبد أضله الله كما قاله العز بن جماعة، وأطال في الرد عليه التقي السبكي في تصنيف مستقل، ووقوعه في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بعجب؛ فإنه وقع في حق الله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا فنسب اليه العظائم كقوله ان لله تعالى جهة و يدا و عينا و غير ذلك من القبائح الشنيعة و لقد كفره كثير من العلماء عامله الله بعدله وخذل متبعيه الذين نصروا ما افتراه على الشريعة الغراء. (حاشية العلامة ابن حجر الهيتمي على شرح الإيضاح في مناسك الحج للنووي: 210).
وقال عبد السلام بن أبي العز الحنفي: من وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر، من أبصر هذا اعتبر، وعن مثل قول الكفار انزجر، علم بأنه بصفاته ليس كالبشر. (العقيدة الطحاوية: 188).