فما هو ردكم على ذلك؟

أشار المخالف إلى حديث نقله السيد هاشم البحراني قدس سره في كتابه مدينة المعاجز 2/100 باب 25، باب سقيه عليه السلام أصحابه من إبهامه، وإطعامهم من طعام الجنة...الخ، نقله عن كتاب (دلائل الإمامة) لمحمد بن جرير الطبري الإمامي.
جاء في هذا الحديث: فلا يبقى أحد من المؤمنين إلا أتاه [أي الإمام الحسين عليه السلام]، وهو على سرير من نور، قد حف به إبراهيم، وموسى، وعيسى، وجميع الأنبياء، ومن ورائهم المؤمنون والملائكة، ينظرون ما يقول الحسين صلوات الله عليه. قال: فهم بهذه الحال إلى أن يقوم القائم عليه السلام، وإذا قام القائم عليه السلام وافوا فيها بينهم الحسين، حتى يأتي كربلاء، فلا يبقى أحد سماوي ولا أرضي من المؤمنين إلا حفوا بالحسين عليه السلام، حتى إن الله تعالى يزور الحسين، ويصافحه، ويقعد معه على سرير. يا مفضل هذه والله الرفعة التي ليس فوقها شيء، ولا دونها شيء، ولا وراءها لطالب مطلب.
وهذا الحديث ضعيف السند أولاً؛ لأن من رجال سند هذا الحديث محمد بن سنان، وهو لم يثبت توثيقه على المشهور المنصور.
ثم إن هذا الحديث الذي ذكره البحراني في كتابه مدينة المعاجز نقلاً عن كتاب دلائل الإمامة، مشتمل على تحريف كبير للحديث المروي في كتاب دلائل الإمامة، إذ لم ترد فيه هذه العبارة: «حتى إن الله تعالى يزور الحسين، ويصافحه، ويقعد معه على سرير»، وإنما ورد فيه ما يلي:
فهم بهذه الحال إلى أن يقوم القائم عليه السلام، فإذا قام القائم وافوا فيما بينهم الحسين عليه السلام حتى يأتي كربلاء، فلا يبقى أحد سماوي ولا أرضي من المؤمنين إلا حف به، يزوره، ويصافحه، ويقعد معه على السرير. (دلائل الإمامة: 78).
فالضمير في يزوره ويصافحه للسماوي والأرضي، لا لله تعالى كما ورد ذلك في كتاب مدينة المعاجز.
ثم لو سلمنا بصحة هذا الحديث، فإن الشيعة لا يقولون إن الله تعالى يزور أحداً من خلقه، ولا يصافح أحداً، أو يقعد على سرير، ويقعد معه واحداً من خلقه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، فليس كل حديث مروي يدل على عقيدة للشيعة، ولو ورد شيء من ذلك بسند صحيح للزم تأويله.
قال البحراني قدس سره: معنى قوله عليه السلام: «حتى إن الله تعالى يزور الحسين عليه السلام إلخ» كناية عن قرب شأن الحسين عليه السلام من الله تعالى، وهذا معلوم؛ لأن الله سبحانه وتعالى ليس بجسم، ولا يجوز عليه الحركة والسكون والانتقال، وليس في مكان، ولا يخلو منه مكان، سبحانه وتعالى رب العالمين. (مدينة المعاجز 2/101).
والعجيب أن هذا المخالف ينكر على الشيعة رواية ضعيفة ورد فيها أن الله تعالى يقعد الإمام الحسين عليه السلام معه على سريره، مع أن السلفية ذهبوا إلى أن الله تعالى يقعد على العرش، ويقعد معه نبيه محمداً صلى الله عليه وآله، وكلمات علماء السلفية متضافرة في الدلالة على ذلك.
1- قال ابن قيم الجوزية: فائدة إقعاد الرسول على العرش: قال القاضي صنف المروزي كتابا في فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه إقعاده على العرش قال القاضي وهو قول ابي داود وأحمد بن أصرم ويحيى بن ابي طالب وأبى بكر بن حماد وأبى جعفر الدمشقي وعباس الدوري وإسحاق بن راهوية وعبد الوهاب الوراق وإبراهيم الأصبهانى وإبراهيم الحربي وهارون بن معروف ومحمد بن إسماعيل السلمي ومحمد بن مصعب العابد وأبي بكر بن صدقة ومحمد بن بشر بن شريك وأبى قلابة وعلي بن سهل وابى عبد الله بن عبد النور وأبي عبيد والحسن بن فضل وهارون بن العباس الهاشمي وإسماعيل بن إبراهيم الهاشمي ومحمد بن عمران الفارسي الزاهد ومحمد بن يونس البصري وعبد الله ابن الإمام أحمد، والمروزي وبشر الحافي. انتهى.
قلت ـ والكلام لابن القيم ـ: وهو قول ابن جرير الطبري وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير وهو قول أبي الحسن الدارقطني ومن شعره فيه :
حديث الشفاعة عن أحمد إلى أحمد المصطفى مسنده
وجاء حديث بإقعاده على العرش أيضا فلا نجحده
أمروا الحديث على وجهه ولا تدخلوا فيه ما يفسده
ولا تنكروا أنه قاعد ولا تنكروا أنه يقعده
(بدائع الفوائد: 559).
2- قال أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية في فتاويه: فقد حدّث العلماء المرضيون وأولياؤه المقبولون أنّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم يُجلسه ربّه على العرش معه، روى ذلك محمد بن فضيل، عن ليث، عن مجاهد في تفسير(عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُكَ مَقَاماً مَحْمُوداً)، وذكر ذلك من وجوه أخرى مرفوعة وغير مرفوعة، قال ابن جرير: وليس هذا مناقضاً لما استفاضت به الأحاديث من أن المقام المحمود هو الشفاعة باتفاق الأئمة من جميع من ينتحل الإسلام ويدعيه، لا يقول: إنّ إجلاسه على العرش منكر، وإنما أنكره بعض الجهمية، ولا ذكره في تفسير الآية منكر. (مجموع فتاوى ابن تيمية 4/374).
