عدم صحة إطلاق لفظ الشريك لله على أهل البيت عليهم السلام
م. ي. - 28/01/2011م
معلوم بأننا نحن الشيعة نعتقد أن الباري عز وجل قد أكرم أولياءه ولا سيما النبي وأهل بيته عليهم السلام، بأن فوض وأوكل إليهم بعض شؤون خلقه، فهم يقدرون على الإحياء، والإماتة، والخلق، والرزق، وما إلى ذلك، وكل ذلك بإذن الله لهم.
وسؤالي هو: هل يصح من هذه الجهة إطلاق لفظ (الشركاء لله)، بمعنى أن أهل البيت عليهم السلام شركاء لله في هذه الأمور وعلى التفصيل المتقدم؟ وهل استخدام هذا المصطلح ، وهو لفظ (الشريك) وارد في روايات العترة عليهم السلام أم غير وارد؟؟
وقد رأيت رواية بهذا الخصوص، ولكن في مصدر من مصادر العامة، ولا أعلم هل نص هذه الرواية موجود عندنا أم لا، وهي كما أوردها الراغب في مفرداته، قال: روي أن الله تعالى قال لنبيه عليه السلام: «إني شرَّفتك وفضَّلتك على جميع خلقي، وأشركتك في أمري»، ففي هذه الرواية استخدام واضح للفظ الشريك، فهل لكم أن تنورنا جزاكم الله خير الجزاء؟؟
الجواب

أما قولك: «إن الله تعالى فوَّض إلى أهل البيت عليهم السلام بعض شؤون خلقه كالإحياء والإماتة والخلق والرزق»، فهو غير صحيح على إطلاقه، لأنه إن كان المراد بالتفويض في كلامك هو التفويض المطلق، بمعنى أن الله تعالى خلقهم، وأوكل أمور الخلق والإحياء والإماتة والرزق إلى أهل البيت عليهم السلام، فهم يفعلون ذلك بقدرتهم، فهذا باطل، لا نقول به، بل نرده وننكره.

 

وأما إذا كان مرادك بتفويض هذه الأمور لهم أن الله تعالى أقدرهم على أمور خاصة بإذنه وإرادته، كما أقدر عيسى بن مريم عليه السلام على إحياء بعض الموتى بإذنه تعالى، وأن يخلق من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، كما قال تعالى: (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 49].

 

وكما أقدر إبراهيم عليه السلام على إحياء الموتى في قوله تعالى: (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة: 260]، وكما أقدر الآباء على رزق الأبناء، كما في قوله تعالى: (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) [النساء: 5]. فهذا كله صحيح، لكن لا يطلق التفويض على هذا الإحياء ونحوه، ويُعرف بالولاية التكوينية، أي أن الله تعالى أقدر أنبياءه وأولياءه على التصرف في بعض الأمور الكونية بإذنه تعالى.

 

والقول بالولاية التكوينية للأنبياء والأولياء والصالحين لا يستلزم شركاً؛ لأن جريان كل تلك الأمور على أيدي الأنبياء عليهم السلام إنما هو بأمر الله وبقدرته وبإذنه، لا بقدرتهم ومشيئتهم المجردة عن مشيئة الله تعالى، فيكون الفاعل الحقيقي هو الله تعالى، ولكن جرت تلك الأمور على أيديهم.

 

وأما إطلاق لفظ الشريك لله على أهل البيت عليهم السلام فهو غير جائز؛ لأن الله سبحانه وتعالى نفى عنه كل شريك بنحو مطلق في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) (الإسراء: 111)، وقوله سبحانه: (وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان: 2). وقوله: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام: 163). وقوله: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء: 48)، وقوله: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء: 116).

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تنفي الشركاء لله سبحانه، وتحرم الشرك به تعالى.

 

وأما الحديث الذي ذكره الراغب الأصفهاني في مفرداته فلم يرد من طرق الشيعة بحسب علمي وتتبعي، ولو سلمنا بصحة الحديث فإن الوارد في الحديث هو التشريك في الأمر، لا اتخاذه صلى الله عليه وآله شريكاً لله في الخلق والرزق والإحياء والإماتة، ولعل المراد بقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله: «إني شرَّفتك وفضَّلتك على جميع خلقي، وأشركتك في أمري» هو ما قاله الراغب نفسه، هو أني جعلتك بحيث تذكر معي، وأمرت بطاعتك مع طاعتي في نحو (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول).

 

وعليه فلا إشكال في الحديث، بل معناه صحيح، وليس فيه أي دلالة على أن الله تعالى اتخذ نبيّه صلى الله عليه وآله شريكاً له في ملكه.

 

 

الشيخ علي آل محسن