الغلو في أهل البيت عليهم لسلام
ب. - qatif - 11/08/2011م
موضوع الرسالة يمكن أن يكون موضوعاً يحمل بين طياته الغرابة، أو يخيل بأن كاتب الرسالة ليس بشيعي ..
أنا شيعي، ومتبع ولله الحمد مذهب أهل البيت عليهم السلام .
ولكن يا شيخنا الجليل ألاحظ بعض الشيعة لديهم بعض التصرفات التي تصل أحياناً إلى المبالغة في التعلق بأهل البيت عليهم السلام حيث يكون أهل البيت عليهم السلام هم (الهدف) وليس (الوسيلة) إلى الله سبحانه وتعالى.
يعني ترى البعض يبالغ في مدح أمير المؤمنين عليه السلام في أشعار مدائح أهل البيت عليهم السلام التي تذكر في المواليد حيث يصل بالبعض إلى أن يقارن أمير المؤمنين عليه السلام بالألوهية أو يصفه بمواصفات لا تطلق إلا على الله سبحانه وتعالى. وهناك أمثلة كثيرة..

فما أريد أن أقوله شيخنا الجليل .. من وجهة نظري القاصرة أن الكثير من عامة الشيعة لا يعرف حدوده في التعلق بأهل البيت عليهم السلام سواءً في جانب التوسل أو في جانب المدح أو غيره، وذلك لعدم وعيهم بمفاهيم الغلو أو الشرك الخفي، بل الكثير يظن أن هذه الألفاظ الغلو والشرك آتية من المذاهب الأخرى من المسلمين، وليس لها أصل في المذهب الشيعي، وذلك راجع إلى أن علماءنا ومشائخنا الأفاضل لا تكاد تسمع منهم تنبيهاً بخصوص هذه المواضيع في جميع محاضراتهم، بل ترى العكس، البعض يركز على الروايات التي تجعل الشخص يعتقد بمجرد ولائه وحبه إلى أهل البيت عليهم السلام فقد ضمن الجنة، وأنه مهما عمل من سيئات فسوف تشمله شفاعة أهل البيت عليهم السلام، وهذا له أثر كبير غير مباشر على نفسية بعض الشباب على حثهم في فعل المعاصي بدون مبالاة.

فما أريد أن أوصله في هذه الرسالة لجنابكم: أتمنى من مشائخنا الكرام التنبيه على مسألة الغلو والشرك، وأن يقفوا وقفة صارمة لكل شعر أو مقال أو أي تصرف يشوبه شيء من الغلو أو غيره. وشكراً لكم.
الجواب

الشرك هو اعتقاد الألوهية في مخلوق مع الله سبحانه، والغلو في النبي صلى الله عليه وآله أو الأئمة عليهم السلام أو غيرهم هو اعتقاد ألوهيتهم، أو اعتقاد أنهم شركاء لله في العبودية أو في صفات الألوهية مثل الخلق والرزق، أو أن الله تعالى اتحد بهم أو حل فيهم.

وكل المسلمين الشيعة وأهل السنة لا يشكون في حرمة كل من الشرك والغلو، ولا يختلف الشيعة في أن الغالي مثل المشرك، كلاهما هالكان، وكما حكم فقهاء الشيعة بكفر المشرك ونجاسته، كذلك حكموا بكفر الغالي ونجاسته.

والله سبحانه وتعالى كما نهى عن الشرك في آيات الكتاب العزيز وحذر منه في قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) [النساء: 48]، وقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا) [النساء: 116]، وقوله سبحانه: (وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [المائدة: 72].

كذلك حرم الغلو في الدين، فقال: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً) [النساء: 171].

وقال عزَّ من قائل: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ) [المائدة: 77].

والمأثور عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في النهي عن الغلو كثير، ومن أشهره ما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: هلك فيَّ رجلان: محب غال، ومبغض قال. (نهج البلاغة: 381).

وكلمات علماء الشيعة في تحريم الغلو كثيرة كذلك.

قال الشيخ الصدوق قدس سره: اعتقادنا في الغلاة والمفوضة أنهم كفار بالله تعالى، وأنهم شر من اليهود والنصارى والمجوس والقدرية والحرورية ومن جميع أهل البدع والأهواء المضلة، وأنه ما صغر الله جل جلاله تصغيرهم شيء. (الاعتقادات: 97).

وفتاوى علماء الشيعة قديماً وحديثاً في الحكم بكفر الغالي ونجاسته أشهر من أن تذكر.

إلا أن الكلام في تشخيص كل من الشرك الغلو ما هو؟ فإن السلفيين عدوا من الشرك أموراً كثيرة لا يوافقهم كثير من المسلمين على كونها شركاً، مثل التوسل بالأموات، والاستغاثة بهم، وطلب الحوائج منهم، وندائهم وغير ذلك مما هو مشهور عنهم.

وكذلك الحال في بعض الأعمال والأقوال هل هي من الغلو أم لا؟ وهل ما أشرت إليه في سؤالك هو من الغلو أم لا؟ فإن اعتقاد فضيلة معينة في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لم تثبت بنظرك لا يدل على أن من أثبتها له عليه السلام مغال فيه أو أنه يعتقد فيه الألوهية، فلعل تلك الفضيلة ثابتة له حقيقة.

وأما قولك: (حيث يصل بالبعض إلى أن يقارن أمير المؤمنين عليه السلام بالألوهية، أو يصفه بمواصفات لا تطلق إلا على الله سبحانه وتعالى) فلم يتضح لي مرادك بمقارنة أمير المؤمنين عليه السلام بالألوهية، فإن كان مرادك هو تأليه أمير المؤمنين عليه السلام فهذا غلو، ولكن الشيعة لا يعتقدون بألوهية أمير المؤمنين، لا علماؤهم ولا جهالهم، وإن كان مرادك هو وصف أمير المؤمنين عليه السلام ببعض أوصاف الله تعالى كما يظهر من ذيل عبارتك فإن كل شيعي يعلم أن ما حازه أمير المؤمنين عليه السلام من الفضائل إنما هو من عند الله سبحانه، وكلها فضائل وصفات مكتسبة، وهي من فيض جود الله تعالى، وصفات الله سبحانه ذاتية، ليست من فيض غيره.

ولا بد أن أنبه هنا إلى أن تشابه الألفاظ لا يدل على اعتقاد نفس الصفة، فقد ورد في بعض الأحاديث وصف أمير المؤمنين عليه السلام بأنه يحيي ويميت، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن، والمراد بها أنه يحيي السنة، ويميت البدعة، وأنه أول من آمن بالله، وآخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وآله، وأن عنده علم الظاهر وعلم الباطن.

وكذلك الحال فيما ورد في الزيارة الجامعة من العبارات الموهمة للغلو، مثل قوله عليه السلام: (وإياب الخلق إليكم، وحسابهم عليكم)، مع أن الله تعالى يقول في كتابه العزيز: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) [الغاشية: 26]، وما ورد في الزيارة لا يتنافى مع الآية المباركة، لأن المراد بإياب الخلق إليهم هو رجوع الناس إليهم في الدنيا لأخذ مسائل الحلال والحرام، أو رجوع الناس إليهم في الآخرة للشفاعة، وحسابهم في الآخرة عليهم أي أنهم هم المأمورون بحساب الخلائق يوم القيامة، ولا منافاة مع الآية لأنهم يفعلون ذلك بأمره تعالى، كما أن ملك الموت يقبض الأرواح بأمر الله تعالى، مع أن الله تعالى يقول: (حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ) [الأنعام: 61]، ويقول: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) [الزمر: 42]، ويقول: (وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) [النحل: 70].  

ولأجل ذلك كله لا بد من الاجتهاد في فهم المراد بأمثال هذه الفضائل، ولزوم حمل الألفاظ الواردة في الأحاديث على المعاني الصحيحة اللائقة بهم عليهم السلام، التي لا تستلزم غلواً، ولا ينبغي التسرع في ردها، والحكم ببطلانها، والجزم بكذبها، وبأنها غلو.  

وقد لاحظنا بعض المخالفين يرى إثبات العصمة لأهل البيت عليهم السلام من الغلو، وكذا اعتقاد الشيعة بأن الله تعالى يطلع أئمة أهل البيت عليهم السلام على بعض الغيب، وأنهم عليهم السلام يحيون الموتى بإذن الله، أو يعلمون ما كان وما هو كائن، وأمثال هذه الأمور، مع أن الشيعة يرون أن ثبوت هذه الأمور لأهل البيت عليهم السلام إنما هو بإذن الله وبفضله وأمره ونعمته عليهم، كما كان عيسى بن مريم عليه السلام يعلم الغيب، ويحي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله تعالى، وهذا هو الفارق الأساس بين الإله وبين غيره.

والحاصل أنه ينبغي أولاً معرفة عقيدة الشيعة بصورة صحيحة، ومعرفة الشرك والغلو ما هما؟ وبعد ذلك علينا أن نفهم النصوص فهماً صحيحاً، ثم يصح الحكم على هذا الفعل أو ذاك بأنه شرك أو غلو أو ليس كذلك.

ولو تنزلنا بأن بعض عوام الشيعة يغالون في أهل البيت عليهم السلام فإن عقيدة الشيعة كما تعلم لا تؤخذ من العوام، وتصرفات العوام ربما لا يمكن ضبطها، ولا يصح إدانة أي مذهب بتصرفات العوام المنتمين إليه.

الشيخ علي آل محسن