كثيراً ما يردد السلفيون أن السيد الخميني رضوان الله عليه يجوز زواج المتعة بالرضيعة، ويدعون وجود فتوى في كتاب تحرير الوسيلة هكذا، والحال أنه لا يوجد نص في هذا الكتاب بذلك، والمسألة التي حرَّفوها هي:
مسألة 12: لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواماً كان النكاح أو منقطعاً، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة...الخ.
والمراد بالفتوى هو أنه لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، سواءً أكانت الزوجة دائمة أم منقطعة، لورود النهي عن وطء الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين، فقد قال الصادق عليه السلام كما في صحيحة الحلبي: إذا تزوج الرجل الجارية وهي صغيرة فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين. (وسائل الشيعة 14/70).
وأما سائر الاستمتاعات فهي جائزة، لعموم ما دلَّ على جواز الاستمتاع بالزوجة، ولا مخصِّص له في البين يدل على الحرمة.
وهذا إنما يُذكر بنحو الفرض في كتب الفقه، بغض النظر عن وقوعه في الخارج وعدمه، فإنها مسألة أخرى، فإنّا لم نسمع أن رجلاً سويًّا أو غير سوي استمتع برضيعة، ولكنه لو لامسها أو قبَّلها وحصلت عنده شهوة فهو جائز له؛ لأنها زوجته، وإن كان يحرم عليه وطؤها.
ولا يخفى أن الوارد في الفتوى هو الاستمتاع بالزوجة الصغيرة، أي التلذُّذ بها، وليس المراد تزوُّجها متعة، وفرض المسألة هو وطء الزوجة الدائمة الصغيرة والاستمتاع بها، هل يجوزان أو لا؟
ولو نظرنا إلى كتب أهل السنة فإنا نجد أن علماء أهل السنة أجازوا نكاح الرضيعة، والاستمتاع بها، بل أجازوا وطأها، وذكروا ذلك في كتبهم.
أما جواز نكاحها فقد ذكره النووي في (روضة الطالبين)، حيث قال:
الثانية: يجوز وقف ما يُراد لعينٍ تستفاد منه، كالأشجار للثمار، والحيوان للبن والصوف والوبر والبيض، وما يُراد لمنفعة تُستوفَى منه كالدار والأرض. ولا يُشترط حصول المنفعة والفائدة في الحال، بل يجوز وقف العبد والجحش الصغيرين والزَّمِن الذي يُرجى زوال زمانته، كما يجوز نكاح الرضيعة. (روضة الطالبين 5/314).
وقال السرخسي في المبسوط: عرضية الوجود بكون العين منتفعاً بها تكفي لانعقاد العقد، كما لو تزوَّج رضيعة صحَّ النكاح، باعتبار أن عرضية الوجود فيما هو المعقود عليه ـ وهو ملك الحِل ـ يقام مقام الوجود. (المبسوط للسرخسي 15/109).
وأما الاستمتاع بالصغيرة، بل وطؤها، فقد قال ابن قدامة في المغني:
فأما الصغيرة التي لا يُوطأ مثلها فظاهر كلام الخرقي تحريم قبلتها ومباشرتها لشهوة قبل استبرائها، وهو ظاهر كلام أحمد، وفي أكثر الروايات عنه قال: تُستبرأ وإن كانت في المهد. وروي عنه أنه قال: إن كانت صغيرة بأي شيء تُستبرأ إذا كانت رضيعة؟ وقال في رواية أخرى: تُستبرأ بحيضة إذا كانت ممن تحيض، وإلا بثلاثة أشهر إن كانت ممن توطأ وتحبل. فظاهر هذا أنه لا يجب استبراؤها ولا تحرم مباشرتها، وهذا اختيار ابن أبي موسى وقول مالك، وهو الصحيح، لأن سبب الإباحة متحقِّق، وليس على تحريمها دليل، فإنه لا نص فيه ولا معنى نص، لأن تحريم مباشرة الكبيرة إنما كان لكونه داعياً إلى الوطء المحرَّم، أو خشية أن تكون أُمَّ ولد لغيره، ولا يُتَوهَّم هذا في هذه، فوجب العمل بمقتضى الإباحة. (المغني لابن قدامة 9/160).
وقال النووي في شرح صحيح مسلم: وأما وقت زفاف الصغيرة المزوَّجة والدخول بها، فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة عُمل به، وإن اختلفا فقال أحمد وأبو عبيد: تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها. وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حَدُّ ذلك أن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يُضبط بسِن، وهذا هو الصحيح. (شرح النووي على صحيح مسلم 9/206).
قلت: على هذه الفتوى يجوز أن يتَّفق الولي والزوج على أن يدخل الزوجُ بالصغيرة الرضيعة من دون أن يطأها، بل يقتصر على تقبيلها وضمِّها بشهوة وتفخيذها إذا رأى الولي أن ذلك لا يضر بالصغيرة.
وعلى فتوى مالك والشافعي وأبي حنيفة فإن الرضيعة التي عمرها دون السنتين لو أطاقت الجماع جاز وطؤها عندهم، فضلاً عن لمسها بشهوة وتفخيذها.