الرد على رجل يزعم أنه من أصحاب الإمام المهدي عليه السلام
سألني أحد المتابعين على الفيس بوك هذا السؤال:
أنا أحد الشيعة الموالين لأهل البيت عليهم السلام، لي صديق سألته عن حديث للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهو قوله: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)، ما هي طبيعة المعرفة التي يريدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منا إذا كان الإمام في غيبة كبرى؟ فأخذ بيدي وعرّفني على شخص بدأ يشرح لي هذا الحديث لساعات طويلة، وقال: إن المعرفة هي أن تعرف منهج الإمام وإرادته ومشيئته في هذا الزمن. قلت له: وكيف السبيل إلى ذلك والإمام غائب؟ قال لي: الإمام ليس بغائب، وإنما الناس هي من غيبته. قلت له: كيف؟ قال: الإمام موجود بين الناس، وهو ينصب رواة الحديث، وعلى الناس أن تتواصل مع الإمام من خلال رواة حديثه المنصبين من قبله، لا المنصبين من قبل الناس. وقال لي: أيعقل أن يتخلى الحجة عن الإسلام وهو إمام زمانه؟ فقلت له: ما دور مراجع الدين؟ قال: هؤلاء غير منصبين، ولا أحد يستطيع إجابتك منهم، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. فقلت له: إذن ما هو منهج الإمام؟ فقال: هو التسبيح والتفكر في مخلوقات الله يومياً نصف ساعة، والخروج إلى الزيارة. قلت: كيف أتاكد من أنكم رواة الحديث حتى أطبق هذه الأمور؟ فقلت له: أحتاج إلى دليل. فقال: إن دليلنا هو أنك يجب أن تطبق أمر الإمام أولاً، وسيأتيك الدليل من الله تعالى بأن هذا المنهج هو الحق، وأنه من الإمام، وكان يتحدث بثقه عالية ويقين، ويقول: نحن أصحاب الإمام، ولكن الناس لا تصدق هذا الأمر لبساطتنا، لأنهم ناظرين لظاهر الدين لا لجوهره. وبدأ يقنعني عن طريق القصص والروايات بأن لكل زمن إمام من الله يجب أن يطاع... فماذا تقول يا شيخنا العزيز؟
بسم الله الرحمن الرحيم
من الواضح جداً أن هذا الشخص الذي ذكرته في سؤالك من الدعاة إلى أحمد إسماعيل گاطع الهمبوشي البصري، الذي يدّعي كذباً وزوراً أنه رسول الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف وسفيره ووصيه، ويزعم أنه إمام معصوم، وأنه اليماني المذكور في الروايات وغير ذلك من الادّعاءات الكثيرة التي تنيف على خمسين ادّعاء، كلها باطلة، قد قام الدليل على كذبه فيها، ولا شك في أن هذا الشخص الذي التقيت به يعبّر عن آراء هذ الكاذب الدجّال المنحرف عن خط أهل البيت عليهم السلام.
أما جواب سؤالك عن المراد بالمعرفة المطلوبة من كل مؤمن في الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو قوله: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميته جاهلية) فهي معرفته باسمه ونسبه، وهو أنه محمد بن الحسن العسكري عليه السلام المولود في سامراء سنة 255هـ، ومعرفة مقاماته المهمة وصفاته، وهو أنه الإمام الثاني عشر، وإمام هذا العصر، وأنه هو الإمام المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، وأنه معصوم من الزلل والخطأ والنسيان والسهو والجهل، وأنه خير أهل زمانه، وأنه وارث علوم النبيين، وعلوم آبائه الطاهرين.
ولا شك في أنه يترتب على اعتقادنا بأنه إمام هذا العصر أنه تجب طاعته والتسليم له، وبيعته إذا خرج، ويحرم إنكاره وإيذاؤه والتقليل من شأنه، والاعتراض على عدم قيامه، ويجب على القادر منا إثبات وجوده وإمامته، والذب عنه، والدعاء له بالحفظ والتأييد وتعجيل الفرج، كما تجب علينا نصرته والقيام معه إذا ظهر.
وأما ما زعمه ذلك الرجل الذي التقيت به من (أن المعرفة هي أن تعرف منهج الإمام وإرادته ومشيئته في هذا الزمن) فغير صحيح؛ لأن المطلوب هو معرفة الإمام عليه السلام، لا معرفة منهجه وإرادته ومشيئته في هذا الزمن، فإن هذا لا تدل عليه ألفاظ الحديث، ومعرفة إرادة الإمام عليه السلام في هذا الزمان غير معلنة للناس فكيف نعرفها؟ وما يزعمه أحمد إسماعيل گاطع الهمبوشي البصري وأتباعه أباطيل لم يدل عليها أي دلي، ونحن نجزم أن منهج الإمام عليه السلام يخالفها ويتنافى معها.
وزعم هذا الرجل أن الإمام عليه السلام (ليس بغائب وإنما الناس هي من غيّبته) كلام متضارب، فإن الناس إذا كانت قد غيّبت الإمام عليه السلام فإن النتيجة أنه غائب بسبب الناس، ونحن لا نقول: إنه عليه السلام غاب من دون سبب.
وبمعنى آخر: نحن نتكلم في أنه غائب أو ليس بغائب، ونحن نقول: (إنه عليه السلام غائب)، وأما سبب الغيبة فهذا أمر آخر، وزعمه أن (الإمام موجود بين الناس وهو ينصب رواة الحديث، وعلى الناس أن تتواصل مع الإمام من خلال رواة حديثه المنصبين من قبله لا المنصبين من قبل الناس) واضح البطلان؛ لأنه إذا لم يكن عليه السلام غائباً وكان موجوداً بين الناس فأين هو؟ وفي أي بلاد هو؟ ولماذا لم يره عامّة الناس؟
ثم من هم رواة الحديث الذين أمرنا الإمام عليه السلام بالتواصل معهم من غير مراجع التقليد؟ فإن الشيعة لم يطّلعوا على بيان صادر عن الإمام المهدي عليه السلام يأمر الناس فيه باتباع أشخاص معينين هم رواة حديثه وأحاديث آبائه عليهم السلام، فما يزعمه هذا الرجل لا يستطيع إثباته بأي دليل، وكل ما عنده وعند إمامه الگاطع هو الادعاءات المجردة عن الإثبات.
وهذا الرجل يشير برواة الحديث الذين يزعم أن الإمام أمر الناس بالتواصل معه من خلالهم إلى أحمد إسماعيل گاطع الهمبوشي البصري، وهذا الگاطع مضافاً على أنه دجّال كذّاب مفترٍ في ادّعاء السفارة عن الإمام عليه السلام، فإنه غائب من سنين، ونحن لا نعلم بأنه حيّ، ولا نعلم بمكان وجوده، فكيف نتواصل معه، أو نتواصل مع الإمام عليه السلام من خلاله؟!
وهل من المعقول أن يأمرنا الإمام المهدي عليه السلام بأن نتواصل مع أحمد إسماعيل گاطع الهمبوشي، وهو جاهل بل عامي صرف، يخطئ في قراءة آيات القرآن الكريم، ولا يحسن الكلام باللغة العربية الفصيحة، وإذا تكلم بها أخطأ أخطاء كثيرة وفاضحة؟!
مضافاً إلى أن أحمد إسماعيل گاطع الهمبوشي كتب كتباً ملأها بالجهل الفاضح الذي لا يصدر من صغار طلبة العلم، فكيف يكون سفيراً للإمام المهدي عليه السلام؟
وأما قول هذا الرجل: (أيعقل أن يتخلّى الحجّة عن الإسلام وهو إمام زمانه؟)، فجوابه: أن غيبة الإمام المهدي عليه السلام لا تستلزم تخلّيه عن الإسلام، فإن مما نقطع به أن الإمام عليه السلام يقوم بما يحفظ الإسلام من حيث لا نشعر، وهو عليه السلام يسدّد مراجع الطائفة العظام في الحوادث المهمة التي يترتب عليها بقاء المذهب إما مباشرة أو بالوسائط، لأن الله تعالى قد تكفل بحفظ هذا الدين، ولذلك فإن المذهب الحق باق منذ بداية الغيبة الكبرى إلى يومنا هذا منصوراً مؤيّداً محفوظاً.
وهذا المعنى الذي قلته أشار إليه رسول الله في الحديث الذي رواه الشيخ الصدوق قدّس سرّه في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة)، بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: لما أنزل الله عزّ وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء: 59] قلت: يا رسول الله عرفنا الله ورسوله، فمن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال عليه السلام: هم خلفائي يا جابر، وأئمة المسلمين ( من ) بعدي، أوّلهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن والحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه، وبقيّته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان، قال جابر: فقلت له: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال عليه السلام: إي والذي بعثني بالنبوة، إنهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها سحاب، يا جابر هذا من مكنون سرّ الله ومخزون علمه، فاكتمه إلا عن أهله... (كمال الدين وتمام النعمة: 253 ).
ثم إن هذا الرجل يزعم أن من رواة الحديث أحمد إسماعيل گاطع الهمبوشي، فمع أنه محال، ولكن لو فرضنا أنه سفير للإمام عليه السلام من باب فرض المحال غير محال، فمن هم رواة الحديث الآخرين الذين نصبهم الإمام المهدي عليه السلام في هذا العصر وفي العصور المتقدمة، أي قبل ولادة أحمد إسماعيل گاطع الهمبوشي؟
لا شك في أن هذا الرجل ليس عنده أي جواب على ذلك، ولا يستطيع أن يجيب؛ لأن الشيعة بعد وفاة السفير الرابع ووقوع الغيبة الكبرى لم يعرفوا شخصاً نصبه الإمام عليه السلام بعينه، وأمرهم أن يتواصلوا مع الإمام المهدي عليه السلام من خلاله، وهذا ينقض كلام هذا الرجل المدّعي للعلم والمعرفة!!
وأما زعم هذا الرجل أن مراجع التقليد (غير منصبين، ولا أحد يستطيع إجابتك منهم؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه) فيردّه عدة أمور:
1- أن مراجع التقليد منصبين من قبل المعصوم عليه السلام، فقد روى الشيخ الطبرسي قدّس سرّه في كتاب (الاحتجاج) عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنه قال في حديث طويل: فأمّا مَنْ كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مُخالفاً على هواه، مُطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يُقلِّدوه. (الاحتجاج 2/263، وسائل الشيعة 18/95).
وهذا نص صريح يدل على أن الإمام عليه السلام نصب مراجع التقليد الذين توفّرت فيهم الصفات المذكورة في الحديث، ويكفي في نصبهم أنه عليه السلام عيّنهم بصفاتهم وإن لم يعيّنهم بأسمائهم.
2- أنّا لو سلّمنا أن مراجع التقليد غير منصبين من قبل الإمام عليه السلام بالنحو الذي ذكرناه، وأنّهم ليسوا نوّاباً له عليه السلام فإنّ كلّ عاقل يرى أنه لا بدّ له من سؤال مراجع التقليد لأخذ الأحكام الشرعية وتعلّم العقائد الحقّة، وهذه هي سيرة العقلاء في جميع أمورهم، فإنهم يرجعون إلى أهل الخبرة في جميع العلوم والفنون، مع أن الله تعالى قال في كتابه العزيز: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل:43]، ولا يُشترط في أخذ الأحكام من العلماء ومراجع التقليد أن يكونوا منصبين من الإمام عليه السلام، لأنهم إنما ينقلون أحكام أهل البيت عليهم السلام الذين يجب علينا اتباعهم والتمسك بحبلهم، ولا ينقلون أحكام غيرهم.
3- أنا لو سلّمنا أن مراجع التقليد لا يجوز تقليدهم في الأحكام الشرعيّة، وأن الواجب هو أخذ الأحكام ممن نصبهم الإمام المعصوم عليه السلام، فإن الشيعة لا يعرفون عالماً نصبه الإمام المهدي عليه السلام بعد السفير الرابع ونص عليه بعينه، لا في هذا العصر ولا في العصور السابقة علينا، وإذا كان هذا الرجل يزعم وجود نواب منصبين من قبل الإمام عليه السلام بعد وفاة السفير الرابع إلى زماننا هذا، فليخبرنا بأسمائهم واحداً بعد واحد، وهذا ما لا يقدر عليه، لا هو ولا إمامه أحمد إسماعيل گاطع الهمبوشي، وعليه فإنه يلزمهم أحد أمرين:
إما أن الله سبحانه قد كلَّف الأمة بما لا تطيق؛ لأنه تعالى كلّفهم بأخذ الأحكام ممن نصبهم الإمام المعصوم عليه السلام دون غيرهم، وفي نفس الوقت لم يطلعهم على هؤلاء المنصبين من قبل إمامهم عليه السلام، فهذا تكليف لهم بما لا يطيقون، والتكليف بما لا يطاق قبيح لا يصدر من المولى الحكيم جلّ وعلا.
أو أن الإمام المعصوم عليه السلام كان يجب عليه أن يخبر الشيعة بالعلماء المنصبين من قبله، ولكنه لم يفعل، فترك الناس يأخذون أحكامهم من علماء غير منصبين من قبله، وهو يعلم بذلك، فيكون قد قصَّر في القيام بوظيفته، وهذا يتنافى مع عصمته الذي يلزم منه عدم صلاحيته للإمامة.
ولا يخفى أن كلا هذين الاحتمالين باطلان، وبطلانهما يستلزم فساد ما قالوه من أنه لا يجوز أخذ الأحكام إلا ممن نصبهم الإمام المعصوم عليه السلام بأعيانهم ونصَّ عليهم بأسمائهم.
وأما زعم هذا الرجل أن أحداً من مراجع التقليد لا يستطيع الجواب على ما قال، فهو زعم واضح البطلان؛ لأن كلامه هذا يجيب عليه صغار طلبة العلم فضلاً عن العلماء المجتهدين أو مراجع التقليد، والجواب الذي ذكرته كافٍ ووافٍ في الرد عليه، ولو كان هذا المتكلم قد اطّلع على شيء يسير مما كتبه العلماء في باب التقليد لخجل أن يقول هذا الكلام، ولكنه استغل عدم معرفة السائل بهذه الأمور فدجّل عليه.
وقوله: (إن منهج الامام عليه السلام هو التسبيح والتفكر في مخلوقات الله يومياً نصف ساعة والخروج الى الزيارة) غير صحيح؛ لأن التسبيح والتفكر في مخلوقات الله والزيارة ليست منهجاً، وإنما هي عبادات مستحبة، مع أن كثيراً من المؤمنين يفعلون ما هو أكثر من ذلك في كل يوم، فهل يكون منهجهم خيراً من منهج الإمام المعصوم عليه السلام؟!
ولو سلّمنا أن الإمام عليه السلام قد جعل منهجه هذه العبادات المستحبة فإن بعض هذه المستحبات ليست أكثر ثواباً من غيرها، وكان اللازم أن يجعل الإمام عليه السلام له منهجاً آخر يكون أكثر ثواباً، مثل الصلاة على محمد وآل محمد، فإنها أفضل من التسبيح كما دلّت عليه الأحاديث الكثيرة.
منها: ما رواه الكليني قدس سره بسند صحيح عن محمد بن مسلم، عن أحدهما قال: ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على محمد وآل محمد، وإن الرجل لتوضع أعماله في الميزان فتميل به، فيُخرِج الصلاة عليه فيضعها في ميزانه فيرجح [ به ]. (الكافي 2/494).
وبسند صحيح أيضاً عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله قال: قال رسول الله : الصلاة علي وعلى أهل بيتي تذهب بالنفاق. (نفس المصدر 2/492).
قلت: لم أجد في الأحاديث ما يدل على أن ذكراً آخر غير الصلاة على محمد وآل محمد يُذهب بالنفاق، وهذا يدل على أنها أفضل الأذكار.
وبسنده عن المفضل عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ما من شيء يُعبد اللَّه به يوم الجمعة أحب إليّ من الصلاة على محمد وآل محمد. (نفس المصدر 3/429).
وبسنده عن أبي بصير قال: قال: إذا ذكر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأكثروا الصلاة عليه، فإنه من صلى على النبي صلاة واحدة صلى اللَّه عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة، ولم يبق شيء مما خلقه اللَّه إلا صلّى على ذلك العبد لصلاة اللَّه عليه وصلاة ملائكته، فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور، قد بريء اللَّه منه ورسوله وأهل بيته. (نفس المصدر 2/492).
وبسنده عن عبد السلام بن نعيم قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام: إني دخلت البيت ولم يحضرني شيء من الدعاء إلا الصلاة على محمد. فقال: أما إنه لم يخرج أحد بأفضل مما خرجت به. (نفس المصدر 2/494).
والأحاديث في ذلك كثيرة، من أرادها فليرجع إلى كتب الحديث المعروفة.
وأما تحديد التفكر في الله بنصف ساعة فهو غريب؛ لأن أذهان الناس متفاوتة، ورُبّ تفكّر في الله خمس دقائق خير من تفكّر آخر مدّة ساعة، مع أن الرجل ربما لا يسعه أن يتفكّر في الله في كل يوم نصف ساعة؛ لأن الشواغل ربما تشغله عن ذلك وتحول بينه وبينه.
وأما الخروج للزيارة فهذا لا يتأتى لمن يسكن بعيداً عن العتبات المقدسة، فهل من لا يتمكنون من زيارة أي إمام لبعد بلدانهم بعيدون عن منهج الإمام المهدي عليه السلام؟!
وأما قول هذا الرجل: (إن دليلنا هو أنك يجب أن تطبّق أمر الإمام أولاً وسيأتيك الدليل من الله تعالى بأن هذا المنهج هو الحق وأنه من الإمام)، فلا يخفى عليك أن هذا ليس دليلاً، وإنما هي دعاوى مجردة عن الدليل، وليس من دأب أهل الحق أن يُلزموا من يريد الاسترشاد بقولهم بعمل بعض المستحبات بزعم أن هذا المسترشد سيرى الدليل بعد ذلك.
مع أنه لم يحدّد المدة التي يجب عليك أن تطبّق الأمور التي ذكرها ونسبها للإمام عليه السلام، فهل عليك أن تفعل ذلك أسبوعاً؟ أو شهراً؟ أو سنة؟ أو عشرين سنة؟
ولا يخفى عليك أن ما قاله لك وسيلة ماكرة من وسائل الفرار من الإتيان بدليل يقنعك، وأنا أجزم بأنك لو فعلت ما قاله لك مدّة شهر مثلاً، ثم ذهبت إليه وقلت له: «لم أر أي دليل يدل على صحّة ما نسبتَه للإمام عليه السلام»، فإنه سيقول لك: لا بدّ أنك لم تتفكّر في الله كما ينبغي، ولم تسبح الله وأنت خاشع القلب، بل كان قلبك ساهياً لاهياً، أو لعل الإمام عليه السلام لم يقبل منك زيارتك؛ لأنه يعلم أنك ترتكب بعض المعاصي.
وبهذا يُظهرك بأنك أنت المخطئ وهو المصيب، ويكون معذوراً أمامك من عدم إتيانه بأي دليل يدل على صحّة مزاعمه، لأن السبب منك أنت لا منه هو!!
وهذه هي أساليب الدجّالين الكذابين الذين يموّهون على الناس ويحاولون خداع البسطاء بحيلهم ومكرهم.
وأما قولك: «إنه كان يتحدّث بثقة عالية ويقين»، فهو لا يخلو من أحد أمرين:
إما أن يكون هذا الرجل في دخيلة نفسه غير واثق من صحة كلامه، وغير متقين بما يقول، كما أجزم بذلك، ولكنه يتظاهر أمامك بذلك لخداعك وللتمويه عليك، وهذا يدل على مهارته في التمثيل والتمويه والخداع، وكثير من الناس وخصوصاً من يمتهن التمثيل السينمائي عندهم مثل هذه المهارة في إظهار خلاف ما يبطنون، فتراهم يتكلمون بثقة، ويقولون كلاماً لا يعتقدون به، وهذا أمر واضح، فما يتراءى لك من ثقته في حديثه ويقينه لا قيمة له.
وإما أن يكون هذا الرجل واثقاً بالفعل بما يقول ومتيقناً من صحة كلامه، فإن ثقته بنفسه ويقينه من صحة كلامه لا قيمة لهما، والقيمة الحقيقية للدليل الصحيح، وهو لم يأت لك بأي دليل يدل على صحة كلامه، وما ذكره كله دعاوى مجردة عن الدليل، وهذا أمر سهل، والصعب - وهو الدليل - لم يقدر على الإتيان به.
وأما قوله: (نحن أصحاب الإمام، ولكن الناس لا تصدّق هذا الأمر لبساطتنا، لأنهم ناظرين لظاهر الدين لا لجوهره)، فهو مجرد دعوى بلا دليل، فلا قيمة لها، وكان اللازم عليه لو كان من أصحاب الإمام عليه السلام أن يكون قادراً على الإتيان بدليل واحد جزمي يقنعك، ولكنه عجز عن ذلك، فكيف يكون من أصحاب الإمام عليه السلام؟!
وأما تعليله عدم قبول الناس لكلامهم بأنهم بسطاء فهذا غير صحيح، والصحيح هو أن الناس لا تصدّق كلامهم لأن كل كلامهم دعاوى مجرّدة، وكل مهووس بالزعامة يستطيع أن يقول ذلك للناس، ومن الطبيعي أن كل عاقل لن يصدّق كلامه إذا لم يُقم أي دليل تام صحيح يؤيّد به دعاواه، والبساطة لا تجعل العاقل يلغي الدليل التام الملزم، والغالب في العلماء والصلحاء أنهم بسطاء في مظهرهم وجميع جوانب حياتهم، وهذا لم يمنع من يخالفهم من الرضوخ لحُججهم والتسليم لهم.
ثم ما هو الدليل على أن هذا المدعي يمثل جوهر الدين، وغيره من العلماء يمثلون ظاهره؟ ولو سلمنا أن العلماء يمثلون ظاهر الدين فهل ظاهر الدين باطل يجب على الناس نبذه بزعم هذا القائل لو سلمنا بأن الدين له ظاهر وجوهر؟
وأما قولك: «وبدأ يقنعني عن طريق القصص والروايات بأن لكل زمن إمام من الله يجب أن يطاع» فإنه يشعر بإفلاس هذا الرجل الذي لجأ إلى القصص للإقناع، ولو كان عنده أدلة صحيحة لجاء بها، وأما الروايات فإن فيها الصحيح وغير الصحيح، والصحيح منها لا بد من فهمه فهماً صحيحاً حتى يصح الاحتجاج به، وبعد فهمه فهماً صحيحاً لا بدّ من البحث عما يعارضه، أو ما يخصصه إن كان عامًّا، أو يقيّده إن كان مطلقاً، وهذا هو الاستنباط الذي لا يتمكّن منه إلا من صرف عمره في الحوزة العلمية، وآتاه الله ملكة قدسية يتمكّن بها من عملية استنباط الأحكام من المدارك المعروفة، فكيف يقحمك في هذا العلم، وهو بحر متلاطم الأمواج؟!
ثم إنا لا ننكر أن لكل زمان إماماً من الله يجب أن يطاع، ولكن الكلام في تشخيص هذا الإمام، هل هو الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام كما نقول به، أو أنه أحمد إسماعيل گاطع الهمبوشي الذي لا يصلح أن يكون وكيلاً لإمام معصوم، فضلاً عن أن يكون إماماً؛ لأنه عامي صرف، لا يُحسن أن يقرأ صفحة من القرآن الكريم، وقد عاش طول حياته وهو جاهل بنسبه بحسب زعمه، وجاهل بإمامته وعصمته، فكيف يكون إماماً ونحن نقطع بأن ملايين الشيعة خير منه نسباً، وعلماً، وفهماً، وسلوكاً، وأخلاقاً، وغير ذلك، مضافاً إلى أننا لا نعلم الآن أنه حي أو ميت.
وخلاصة القول: أن هذا الرجل يدعو إلى إمامة أحمد إسماعيل گاطع الهمبوشي، وهؤلاء وإن كانوا لا يتجرؤون لحد الآن على إنكار إمامة الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف صراحة، إلا أنهم ينكرون إمامته عليه السلام عملاً وبأساليب ملتوية، وبما أن هؤلاء غير قادرين على إثبات إمامة إمامهم أحمد إسماعيل گاطع الهمبوشي فإنهم يلجؤون إلى الحيل والخداع، ويعولون على الأحلام والسحر وغير ذلك من الأساليب التي يلجأ إليها الدجالون.