رمضان ... اسم من أسماء الله
سؤال: هل أن «رمضان» اسم للشهر الفضيل، أو أنه اسم لله تعالى كما قيل؟
الجواب: قال المحقق الشيخ يوسف البحراني قدس سره: السابعة: قد اختلف في رمضان، فقيل: إنه علَم للشهر كرجب وشعبان، ومنع من الصرف للعلمية والألف والنون، وقيل: إنه اسم من أسماء الله تعالى، وعلى هذا فمعنى شهر رمضان شهر الله. ويدل عليه ما رواه في الكافي عن هشام بن سالم في الصحيح عن سعد عن أبي جعفر عليه السلام قال: كنا عنده ثمانية رجال، فذكرنا رمضان، فقال: لا تقولوا: هذا رمضان، ولا ذهب رمضان، ولا جاء رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله عزَّ وجل، لا يجيء ولا يذهب، وإنما يجيء ويذهب الزائل، ولكن قولوا: شهر رمضان، فإن الشهر مضاف إلى الاسم، والاسم اسم الله عزَّ وجل، وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن جعله مثلاً وعيداً.
ورواه الصدوق بإسناده عن البزنطي عن هشام بن سالم عن سعد الخفاف، ورواه سعد بن عبد الله في كتاب بصائر الدرجات عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن هشام بن سالم عن سعد بن طريف مثله. وروى في الكافي أيضاً عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تقولوا: رمضان، ولكن قولوا: شهر رمضان، فإنكم لا تدرون ما رمضان. ورواه الصدوق في الفقيه عن غياث مثله، وكذا رواه في كتاب معاني الأخبار والذي قبله أيضاً. وقال الفيومي في كتاب المصباح المنير: قال بعض العلماء: يكره أن يقال: «جاء رمضان» وشبهه إذا أريد به الشهر، وليس معه قرينة تدل عليه، وإنما يقال: جاء شهر رمضان، واستدل بحديث: لا تقولوا رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، ولكن قولوا: شهر رمضان. وهذا الحديث ضعفه البيهقي، وضعفه ظاهر؛ لأنه لم ينقل عن أحد من العلماء أن رمضان من أسماء الله تعالى، فلا يعمل به. والظاهر جوازه من غير كراهة كما ذهب إليه البخاري وجماعة من المحققين؛ لأنه لم يصح في الكراهة شيء، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة ما يدل على الجواز مطلقا كقوله: إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين. وقال القاضي عياض: وفي قوله: «إذا جاء رمضان» دليل على جواز استعماله من غير لفظ شهر خلافاً لمن كرهه من العلماء. انتهى . وفيه دلالة على أن الحديث بذلك مروي من طرقهم أيضاً، ولكن بعضهم حكم بضعفه. وكيف كان فهو مرغوب عنه بعد ورود الأخبار عندنا بذلك، وما ورد في بعض أخبارنا أيضا من ذكره مجرداً عن الشهر محمول على الجواز، وهو لا ينافي الكراهة. ويؤيد ما قلناه ما نقله في كتاب مجمع البحرين عن الأزهري، قال: العرب تذكر الشهور كلها مجردة من لفظ «شهر» إلا شهري ربيع ورمضان. قال شيخنا الشهيد قدس سره في كتاب نكت الإرشاد: فائدة: نهي عن التلفظ برمضان، بل يقال: «شهر رمضان» في أحاديث من أجودها ما أسنده بعض الأفاضل إلى الكاظم عن أبيه عن آبائه عليهم السلام. قال: لا تقولوا: «رمضان»، فإنكم لا تدرون ما رمضان، فمن قاله فليتصدق، وليصم كفارة لقوله، ولكن قولوا كما قال الله عز وجل: «شهر رمضان». انتهى . أقول: ما نقله قدس سره من الخبر قد نقله السيد السعيد ذو المقامات والكرامات رضي الدين بن طاووس في كتاب الإقبال عن كتاب الجعفريات، وهي ألف حديث بإسناد واحد إلى مولانا موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، والظاهر أن الكفارة فيه محمولة على الاستحباب وتغليظ الكراهة؛ لما ثبت في كثير من الأخبار من وروده مجرداً عن لفظ شهر. ثم إنه على تقدير ما هو المشهور من أنه اسم للشهر فقد اختلفوا في اشتقاقه، فعن الخليل رحمه الله أنه من الرمْض بسكون الميم، وهو مطر يأتي وقت الخريف، يطهر وجه الأرض من الغبار، سمي الشهر بذلك لأنه يطهر الأبدان عن أوضار الأوزار. وقيل: من الرمض بمعنى شدة الحر من وقع الشمس، قال الزمخشري في الكشاف: رمضان مصدر رمض إذا احترق من الرمضاء. سمي بذلك إما لارتماضهم فيه من حر الجوع، كما سموه ناتقاً؛ لأنه كان ينتقهم أي يزعجهم لشدته عليهم، أو لأن الذنوب ترمض فيه أي تحترق. وقيل: إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق الشهر أيام رمض الحر، فسمي بذلك. (الحدائق الناضرة 13/13).
والنتيجة: أنه يظهر من الروايات أن (رمضان) اسم من أسماء الله تعالى، إلا أنه قد ورد في بعض الروايات تسمية الشهر برمضان.
منها: صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله صلوات عليهما، قال: سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر، فقالا: إن كان برئ ثم تواني قبل أن يدركه رمضان الآخر صام الذي أدركه، وتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين، وعليه قضاؤه، وإن كان لم يزل مريضاً حتى أدركه رمضان آخر، صام الذي أدركه، وتصدق عن الأول لكل يوم مدًّا على مسكين، وليس عليه قضاؤه. (الكافي 4/119).
وهذا الحديث إن لم يكن ترك كلمة شهر فيه من الرواة فإنه يدل على جواز قول: رمضان من دون توصيفه بالشهر.
وكيف كان فالأولى تسمية الشهر بشهر رمضان، لا برمضان فقط، ولا سيما إذا قيل: جاء شهر رمضان، ومضى شهر رمضان؛ لأن الله تعالى لا يوصف بذهاب ولا مجيء، والله العالم.