ما هو الدليل على وجوب الخمس
ا. ج. - الدمام - 06/08/2011م
1- ما هو الدليل من القرآن والسنة النبوية على وجوب الخمس؟


2- إذا كان الدليل هو آية سورة الأنفال, فبماذا نجيب من يقول: إن معنى كلمة (أنفال) هي غنائم بدر, هذا بالإضافة إلى أن الآية الكريمة تقول: (ما غنمتم) بمعنى غنائم الحرب, إذن أصبح عنوان السورة والكلمة كلها تتعلق بالحرب, والآيات التي تسبق آية الخمس هذه والتي تليها معظمها يتكلم عن غنائم بدر, فهل يعقل أن يكون هذا من قبيل الصدفة؟ أرجو الإيضاح لو تكرمتم.

3- شخص عليه ديون كثيرة، ويلزمه سنوات طويلة لسدادها, فهل يجب عليه الخمس في هذه الحالة؟ وإذا كان يجب عليه فكيف يوفق بين تسديد الديون الكثيرة ودفع الخمس؟

4- هناك رواية للإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف يقول فيها: إن شيعتنا معفيون من الخمس في فترة الغيبة, فكيف نوفق بين هذه الرواية ووجوب دفع الخمس؟

5- إذا كان الخمس واجباً, فكيف نوفق بين الآية الكريمة التي نزلت على الرسول صلى الله عليه وآله يوم الغدير، وهي قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) الآية، وبين وجوب الخمس, حيث إن الآية بينت أن الدين قد اكتمل في ذلك اليوم, والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله لم يجمع الخمس إلا من غنائم الحروب فقط، ولم يكن في وقته جمع للخمس على جميع الحاجيات والممتلكات, فكيف نوفق بين هذين الأمرين؟

6- هل يجوز تقسيط الخمس في حالة عدم إمكان دفعه مرة واحدة؟
الإجابة:

 

1- ما هو الدليل من القرآن والسنة النبوية على وجوب الخمس؟

الجواب: الدليل على وجوب الخمس من كتاب الله العزيز قوله تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأنفال: 41].

وأما من أحاديث أهل البيت عليهم السلام فمنها موثقة سماعة، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس، فقال عليه السلام: في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير. (الكافي 1/545).

ومنها: صحيحة علي بن مهزيار، قال: قال لي أبو علي بن راشد: قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقِّك، فأعلمتُ مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأي شيء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه. فقال عليه السلام: يجب عليهم الخمس. فقلت: في أي شيء؟ فقال: في أمتعتهم وضياعهم وصنائعهم. قلت: والتاجر عليه، والصانع بيده؟ فقال عليه السلام: إذا أمكنهم بعد مؤنتهم. (تهذيب الأحكام 4/123).

ومنها: صحيحة ابن أبي نصر قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام: الخمس أخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة؟ فكتب: بعد المؤونة. (الكافي 1/545).

منها: صحيحة علي بن مهزيار، عن محمد بن الحسن الأشعري، قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: أخبرني عن الخمس، أعلى جميع ما يستفيده الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الضياع، وكيف ذلك؟ فكتب عليه السلام بخطه: الخمس بعد المؤنة. (التهذيب 4/123. الاستبصار 2/55).

وأما من كتب أهل السنة، فما أخرجه البخاري ومسلم بسندهما عن ابن عباس قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنا من هذا الحي من ربيعة، ولسنا نصل إليك إلا في الشهر الحرام، فمرنا بشيء نأخذه عنك، وندعو إليه من وراءنا. فقال: آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله، (ثم فسرها لهم)، شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا إلي خمس ما غنمتم، وأنهى عن الدباء، والحنتم، والمقبر، والنقير. (صحيح البخاري 1/177، صحيح مسلم 1/46).

والملاحظ في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله قرن الخمس بالشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ولم يذكر الصيام والحج، وهذا دليل على عظم أهمية الخمس.

 

2- إذا كان الدليل هو آية سورة الأنفال, فبماذا نجيب من يقول: إن معنى كلمة (أنفال) هي غنائم بدر, هذا بالإضافة إلى أن الآية الكريمة تقول: (ما غنمتم) بمعنى غنائم الحرب, إذن أصبح عنوان السورة والكلمة كلها تتعلق بالحرب, والآيات التي تسبق آية الخمس هذه والتي تليها معظمها يتكلم عن غنائم بدر, فهل يعقل أن يكون هذا من قبيل الصدفة؟ أرجو الإيضاح لو تكرمتم.

الجواب: عندما نتكلم في دلالة آية معينة فلا بد أن ننظر في ألفاظ تلك الآية في نفسها، ونستعين في فهم المعنى المراد بالقرائن الموجودة في نفس الآية، وليس كل شيء في السورة حتى اسمها يصلح لأن يكون قرينة على المراد.

وآية الخمس وهي قوله تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ) لم يرد فيها تقييد الغنيمة بالحرب، بل الكلمة مطلقة، ومعنى (غَنِمْتُم): كسبتم، ولو كان الخمس واجباً في غنيمة الحرب فقط لوجب التقييد، فيقال: (واعلموا أنما غنمتم في الحرب)، وكون السورة هي سورة الأنفال، والآيات السابقة واللاحقة تتعلق بالحرب لا يدل على أن الخمس واجب في غنائم الحرب فقط، بل الخمس واجب في غنائم الحرب والغنائم الأخرى من غير الحرب، ومناسبة ذكر الخمس هي أن الخمس واجب في غنائم الحرب أيضاً، ولذلك جاء الأمر بإخراجه.

ومن القواعد الأصولية التي قررها العلماء في علم أصول الفقه، أن خصوص المورد لا يخصص الوارد، بمعنى أن النص إذا كان مطلقاً غير مقيد، ولكنه ورد في مورد خاص، فإن النص يحمل على الإطلاق، ولا يقيد بخصوص المورد، فإذا جاء علماء من العراق، فقال السيد لعبده: (أكرم العلماء)، فإن كلام السيد مطلق، غير مقيد بكون العلماء من العراق، فيجب على العبد أن يكرم علماء العراق وغيرهم بمقتضى إطلاق لفظ المولى، ولا يحمل لفظ العلماء على خصوص علماء العراق، وهكذا الحال فيما نحن فيه، فلما ورد في الآية المباركة وجوب إخراج خمس كل ما غنمه المكلف، فإنه لا يجوز تقييد الغنيمة بغنائم الحرب، وإن كانت الآية نزلت بمناسبة حصول غنائم الحرب.

ثم إنه من المعلوم أن الله تعالى إنما فرض الخمس إكراماً لمن انتسب للنبي صلى الله عليه وآله، إذ نزههم عن الزكاة لأنها أوساخ الناس، ولو وجب الخمس في خصوص غنائم الحرب لكان فرض الخمس نقمة على بني هاشم، لأن فقيرهم لا يحصل على الزكاة؛ لأنها لا تحل له، ولا يحصل على الخمس؛ لأنه لا غنائم حرب، فإن الحروب ليست دائمة، ولو دامت فحصول الغنائم منها غير مضمون، ولو حصل المسلمون على غنائم فإن سلاطين الجور لا يدفعونها لبني هاشم.

هذا مع أن أهل السنة أوجبوا الخمس في أمور أخرى ليست من غنائم الحرب.

منها: الركاز: وهو الكنز، أو دفن الجاهلية. قال البخاري في باب: في الركاز الخمس: وقال مالك وابن إدريس: الركاز دفن الجاهلية، في قليله وكثيره الخمس، وليس المعدن بركاز، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: في المعدن (جبار، وفي الركاز الخمس).

 وأخذ عمر بن عبد العزيز من المعادن من كل مائتين خمسة.

 وقال الحسن: ما كان من ركاز في أرض الحرب ففيه الخمس، وما كان من أرض السلم ففيه الزكاة، وإن وجدت اللقطة في أرض العدو فعرفها، وإن كانت من العدو ففيها الخمس. وقال بعض الناس: المعدن ركاز، مثل دفن الجاهلية؛ لأنه يقال: أركز المعدن إذا خرج منه شيء. قيل له قد يقال لمن وهب له شيء أو ربح ربحا كثيرا أو كثر ثمره أركزت . ثم ناقض وقال لا بأس أن يكتمه فلا يؤدي الخمس.

ثم روى بسنده عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس. (صحيح البخاري 1/448، والحديث مروي في صحيح مسلم 3/1334).

قال الترمذي: والركاز ما وجد في دفن أهل الجاهلية، فمن وجد ركازاً أدى منه الخمس إلى السلطان، وما بقي فهو له. (سنن الترمذي 3/662).

 

ومنها: ما يستخرج من البحر: قال البخاري في باب ما يستخرج من البحر: وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس العنبر بركاز، هو شيء دسره البحر. وقال الحسن في العنبر واللؤلؤ الخمس، فإنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم في الركاز الخمس ليس في الذي يصاب في الماء. (صحيح البخاري 1/447).

ومنها: ما وجد في خربة أو طريق غير مأهولة:

فقد أخرج النسائي بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة، فقال: ما كان في طريق مأتي أو في قرية عامرة فعرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فلك، وما لم يكن في طريق مأتي ولا في قرية عامرة ففيه وفي الركاز الخمس. (سنن النسائي 5/46. حسنه الألباني في صحيح سنن النسائي 2/525).

وأخرج البيهقي والحاكم عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد اللّه بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كنز وجده رجل: إن كنت وجدته في قرية مسكونة أو في سبيل ميتاء فعرفه، وإن كنت وجدته في خربة جاهلية أو في قرية غير مسكونة أو غير سبيل ميتاء ففيه وفي الركاز الخمس. (السنن الكبرى 4/155. المستدرك 2/74، صححه الحاكم ووافقه الذهبي. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة 4/364: هذا إسناد رجاله ثقات).

قلت: قوله: (فيه وفي الركاز الخمس) يدل على أن ما وجد في خربة أو قرية غير مسكونة لا يسمى ركازاً، وكما أن الركاز فيه الخمس، فما وجد في خربة أيضاً فيه الخمس.

وهذا الحديث وغيره مما دل على وجوب إخراج الخمس من الركاز وغيره يدل على أن المراد بـ (ما غنمتم) في الآية المباركة أعم من غنائم الحرب، الشامل للركاز وغيره.

أما إذا أصر المخالف على أن الآية تدل على عدم جواز إخراج الخمس من غير غنائم الحرب، فحينئذ يلزمه طرح حديث وجوب إخراج الخمس من الركاز وإن كان مرويًّا في الصحيحين؛ لكونه مخالفاً لآية في كتاب الله تعالى.

أما إذا قال المخالف: إن الآية لا تمنع من إخراج الخمس من غير غنائم الحرب كما هو الصحيح، ولهذا وجب إخراج خمس الكنز والمعادن، فحينئذ لا يصح للمخالف أن يحتج بالآية المباركة على عدم جواز إخراج خمس أرباح المكاسب كلها.  

 

3- شخص عليه ديون كثيرة، ويلزمه سنوات طويلة لسدادها, فهل يجب عليه الخمس في هذه الحالة؟ وإذا كان يجب عليه فكيف يوفق بين تسديد الديون الكثيرة  ودفع الخمس؟

الجواب: إذا كان هذا الرجل الذي عليه ديون كثيرة لا يفضل من مؤونته شيء يخمسه، فلا خمس عليه؛ لأن الخمس إنما يجب في فاضل المؤونة من أرباح مكاسبه، وحيث إنه لا فاضل عنده، فلا خمس عليه.

وأما إذا فضل شيء من المؤونة فإنه يجب عليه تخميسه وإن كان عليه دين طويل؛ لأن الدين إنما يستثنى من المؤونة إذا حصل بعد ظهور الربح، وأما الدين السابق على ظهور الربح فلا يستثنى من فاضل المؤونة، فيجب تخميسه.

 

4- هناك رواية للإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف يقول فيها: إن شيعتنا معفيون من الخمس في فترة الغيبة, فكيف نوفق بين هذه الرواية ووجوب دفع الخمس؟

الجواب: أني لم أطلع على رواية مروية عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف تتضمن إعفاء الشيعة من الخمس في زمن الغيبة، وإنما رويت عدة روايات بعضها ضعيف السند، وبعضها الآخر وإن كان صحيح السند إلا أنه لا يدل على إعفاء الشيعة من الخمس مطلقاً، بل منها ما دل على أن الإمام عليه السلام قد أباح للشيعة ما تصرَّفوا فيه من أموالهم التي أنفقوها في المناكح قبل إخراج الخمس الواجب عليهم، ومنها ما دل على أن الإمام عليه السلام قد أباح لهم التصرف في رقاب الأراضي وحاصلها، مع لزوم إخراج خمسها، ومنها ما دل على أن الإمام الباقر عليه السلام أجاز للمعوزين من شيعته أن يأخذوا منه بمقدار ما يسدُّون به حاجاتهم، ومنها ما دل على أن الأئمة عليهم السلام لا يُلزمون شيعتهم بالإسراع في إخراج الخمس إذا كان في ذلك حرج عليهم.

وكل تلك الروايات تدل باللازم على وجوب دفع الخمس على الناس، وإلا فلا معنى لإباحة التصرف فيه للمعوزين بمقدار ما تسدّ حاجتهم، ولا وجه لعدم إيجاب المبادرة في الإخراج التي تتحقق معها المشقة عليهم، وكل ذلك أوضحته في كتابي (لله وللحقيقة) 304-389، فراجعه.

ولا يخفى عليك أن هناك روايات أخرى كثيرة تدل على وجوب دفع الخمس إليهم عليهم السلام، وأنهم سلام الله عليهم لا يبيحونه لأحد.

منها: موثقة عبد الله بن بكير عن الصادق عليه السلام قال: إني لآخذ من أحدكم الدرهم وإني لمن أكثر أهل المدينة مالاً، ما أريد بذلك إلا أن تطهروا. (من لا يحضره الفقيه 2/27).

ومنها: رواية محمد بن زيد قال: قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السلام، فسألوه أن يجعلهم في حل من الخمس، فقال: ما أمحل هذا، تمحضونا بالمودة بألسنتكم، وتزوون عنا حقًّا جعله الله لنا وجعلنا له وهو الخمس!! لا نجعل، لا نجعل، لا نجعل لأحد منكم في حل. (الكافي 1/548. الاستبصار 2/60. التهذيب 4/140).

ومنها: موثقة سماعة، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس، فقال عليه السلام: في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير. (الكافي 1/545).

ومنها: صحيحة علي بن مهزيار، قال: قال لي أبو علي بن راشد: قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقِّك، فأعلمتُ مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأي شيء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه. فقال عليه السلام: يجب عليهم الخمس. فقلت: في أي شيء؟ فقال: في أمتعتهم وضياعهم وصنائعهم. قلت: والتاجر عليه، والصانع بيده؟ فقال عليه السلام: إذا أمكنهم بعد مؤنتهم. (تهذيب الأحكام 4/123).

ومنها: صحيحة علي بن مهزيار، عن محمد بن الحسن الأشعري، قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: أخبرني عن الخمس، أعلى جميع ما يستفيده الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الضياع، وكيف ذلك؟ فكتب عليه السلام بخطه: الخمس بعد المؤنة. (التهذيب 4/123. الاستبصار 2/55).

والأحاديث المعتبرة الدالة على وجوب إخراج الخمس كثيرة، لا حاجة لذكر أكثر مما ذكرناه.

وقد أوضح الشيخ المفيد والشيخ الطوسي وغيرهما وجه الجمع بين الروايات التي تدل على وجوب دفع الخمس، والروايات الأخرى التي فهم منها بعضهم إباحة الخمس للشيعة.

قال الشيخ الطوسي في كتابه الاستبصار: فالوجه في الجمع بين هذه الروايات ما كان يذهب إليه شيخنا رحمه الله [يعني المفيد]، وهو أن ما ورد من الرخصة في تناول الخمس والتصرف فيه إنما ورد في المناكح خاصة، للعلّة التي سلف ذكرها في الآثار عن الأئمة عليهم السلام؛ لتطيب ولادة شيعتهم، ولم يرد في الأموال، وما ورد من التشدّد في الخمس والاستبداد به فهو يختص بالأموال. (الاستبصار 2/60).

قلت: والأخبار المذكورة كلها تشهد بصحة هذا الجمع، فإن أحاديث إباحة الخمس كلها ذكرت العلة في ذلك، وهي تحليل المناكح وتطييب الشيعة، وأما الأخبار الأخر التي اشتملت على التشديد في دفع الخمس وعدم التهاون فيه فهي واردة في سائر الأموال الأخرى.

وقال المحقق الخوئي بعد أن ذكر روايات إباحة الخمس: 

وهذه الروايات مضافاً إلى معارضتها بما ستعرف من الطائفتين، غير قابلة للتصديق في نفسها، ولا يمكن التعويل عليها.

أولاً: من أجل منافاتها لتشريع الخمس الذي هو لسدّ حاجات السادة والفقراء من آل محمد صلى الله عليه وآله، إذ لو لم يجب دفع الخمس على الشيعة، والمفروض امتناع أهل السنة وإنكارهم لهذا الحق، فمن أين يعيش فقراء السادة، والمفروض حرمة الزكاة عليهم، فلا يمكن الأخذ بإطلاق هذه النصوص جزماً.

وثانياً: أنها معارضة بالروايات الكثيرة الآمرة بدفع الخمس في الموارد المتفرقة والأجناس المتعددة، كقوله عليه السلام: (خذ من أموال الناصب ما شئت، وادفع إلينا خمسه)، أو (مَن أخذ ركازاً فعليه الخمس)، وما ورد في أرباح التجارات من صحيحة علي بن مهزيار الطويلة وغيرها، فلو كان مباحاً للشيعة وساقطاً عنهم فلماذا يجب عليهم الخمس؟ وما معنى الأمر بالدفع في هذه النصوص المتكاثرة؟ وهل ترى أن ذلك لمجرد بيان الحكم الاقتضائي غير البالغ مرحلة الفعلية بقرينة نصوص التحليل؟

هذا مضافاً إلى معارضتها بالطائفة الثانية الظاهرة في نفي التحليل مطلقاً... (مستند العروة الوثقى (كتاب الخمس)، ص 343).

  وقال السيد محسن الحكيم قدس سره في المستمسك بعد أن ذكر مَن ذهب إلى تحليل الخمس: اعتماداً على نصوص تضمَّنت تحليل الخمس، التي هي مع قصور دلالة جملة منها، وإعراض الأصحاب عنها، معارَضة بما يوجب طرحها، أو حملها على بعض المحامل التي لا تأباها، كما تقدم التعرض لذلك في أوائل كتاب الخمس، مضافاً إلى أن الإباحة المدَّعاة مالكية لا شرعية، وحينئذ تكون الشبهة موضوعية، والرجوع إلى أخبار الآحاد فيها غير ظاهر. (مستمسك العروة الوثقى 9/579).

قلت: المراد بالإباحة المالكية أن الإمام عليه السلام الذي كان مالكاً للخمس في زمن إمامته قد أباحه لبعض الناس في موارد خاصة، وأما الإباحة الشرعية فيراد بها أنه مباح شرعاً لكل أحد، وهذه الإباحة هي محل النزاع، لا تلك.

والحاصل أنه يجب على كل مكلف أن يرجع إلى فتاوى فقهاء الطائفة، ولا يجوز له أن يعول على حديث فهم منه إباحة الخمس للشيعة؛ لأنه يجب عليه أن يعرف أولاً هل هذا الحديث صحيح السند أم لا، وبعد أن يتحقق من صحة سنده، عليه أن يعرف هل هو معارض بغيره أم لا، وبعد أن يعرف أنه معارض بغيره عليه أن يحسن الجمع بين هذا الخبر وغيره، وكل هذه الأمور من وظائف الفقيه المتخصص، ولا يجوز للعامي أن يقحم نفسه فيما لا يعرفه.

 

5- إذا كان الخمس واجباً, فكيف نوفق بين الآية الكريمة التي نزلت على الرسول صلى الله عليه وآله يوم الغدير، وهي قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) الآية، وبين وجوب الخمس, حيث إن الآية بينت أن الدين قد اكتمل في ذلك اليوم, والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله لم يجمع الخمس إلا من غنائم الحروب فقط، ولم يكن في وقته جمع للخمس على جميع الحاجيات والممتلكات, فكيف نوفق بين هذين الأمرين؟

الجواب: 1- نحن لا نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله لم يأخذ الخمس على غير غنائم الحرب، ومن يدعي أنه صلى الله عليه وآله لم يأخذ الخمس على أرباح المكاسب فعليه الإثبات، فلعل النبي صلى الله عليه وآله كان يأخذ الخمس من الناس، ولكن ذلك لم ينقل إلينا، مثل كثير من الأمور التي أهمل المؤرخون والمحدثون نقلها باعتبارها ممارسات عادية يمارسها المسلمون، لا حاجة لنقلها، ولهذا لا نجد حديثا واحداً يدل على أن فلانا وفلانا من الصحابة كانوا يدفعون الزكاة، أو أنهم حضروا صلاة الجمعة، أو صلاة الخسوف أو الكسوف، أو نحو ذلك، والأحاديث المنقولة في دفع الزكاة مثلاً كانت حوادث غير عادية مثل حديث ثعلبة وغيره.

ولو سلمنا أنه صلى الله عليه وآله لم يأخذ الخمس إلا من غنائم الحرب فلعل السبب أن المسلمين كانوا فقراء لا مال لهم يجب تخميسه، أو أنه صلى الله عليه وآله لم يطالبهم به لأنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام، ورأى أن مطالبتهم بالخمس مع ضعف حالهم سيشق عليهم، وربما يؤدي ذلك إلى ارتداد بعضهم، أو لغير ذلك مما لا نعلمه، لا من أجل أن خمس أرباح المكاسب ليس واجبا عليهم.

2- أن آية الخمس دلت على وجوب دفع الخمس كما أوضحنا، وهي كافية في المقام، ولا يشترط لوجوب العمل بها أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله كان يأخذ الخمس من الناس؛ فإن دلالة الآية تامة في الوجوب.

3- أن الظاهر من بعض الروايات المروية من طرق أهل السنة والتي نقلت لكم بعضها أن النبي صلى الله عليه وآله أوجب دفع خمس الركاز، والمتوقع حينئذ أن من وجب عليه دفع الخمس سيدفعه لرسول الله صلى الله عليه وآله، وإن لم ينقل لنا ذلك، فكم من حوادث كثيرة لم تنقل إلينا.

4- أن آية إكمال الدين لا تتنافى مع آية الخمس؛ لأن الدين كمل بتشريع الخمس وتشريع غيره من الواجبات، وعدم أخذ النبي صلى الله عليه وآله الخمس على أرباح المكاسب - لو سلمنا به - لا يستلزم عدم تشريعه، فإن كثيراً من الأحكام الشرعية لم تنقل لنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله ونقلت عن الصحابة، أو عن الأئمة الأطهار عليهم السلام، وهذا لا يستلزم عدم إكمال الدين في زمانه صلى الله عليه وآله.    

 

6- هل يجوز تقسيط الخمس في حالة عدم إمكان دفعه مرة واحدة؟

الجواب: نعم يجوز تقسيط الخمس في حال عدم تمكن المكلف من دفع جميع ما وجب عليه من الخمس دفعة واحدة، فيدفع منه بحسب استطاعته، من دون إجحاف به وبعياله الواجبي النفقة عليه، بشرط ألا يصل تأخير الدفع إلى حد الإهمال والمماطلة في دفع الخمس.  

الشيخ علي آل محسن