لا فرق بينك وبينهم إلا أنهم عبادك وخلقك
أ. م. آ. ع. - الآجام - 11/07/2014م
جاء في كتاب (معجم رجال الحديث) للسيد الخوئي قدس الله نفسه الزكية، الجزء الثامن، صفحة 83 ما نصه:-
4350 - خير بن عبد الله:
روى توقيعاً عن أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد، وروى عنه ابن عياش، ذكره الشيخ في مصباح المتهجّد في أعمال شهر رجب.
أقول: هو مجهول الحال، وابن عياش ضعيف، وتقدم بعنوان أحمد بن محمد بن عبيد الله، ومضمون التوقيع الذي أوله: «اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك»، غريب من أذهان المتشرعة، وغير قابل للإذعان بصدوره عن المعصوم عليه السلام. انتهى .
السؤال: أولاً: ما مقصود السيد قدس سره من قوله: «غريب من أذهان المتشرعة».
ثانياً: ما مراده من قوله: «غير قابل للإذعان بصدوره من المعصوم عليه السلام»، فما الشيء الموجود في الدعاء الذي لا يمكن صدوره من المعصوم عليه السلام.
ثالثاً: ما هو رأيكم في هذا الدعاء؟
الجواب

التوقيع المشار إليه رواه شيخ الطائفة الشيخ الطوسي قدّس سرّه في مصباح المتهجد في أعمال رجب.

قال قدّس سرّه: بسم الله الرحمن الرحيم، ادع في كل يوم من أيام رجب:

اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك، المأمونون على سرِّك، المستبشرون بأمرك، الواصفون لقدرتك، المعلنون لعظمتك، أسألك بما نطق فيهم من مشيتك، فجعلتهم معادن لكلماتك، وأركانا لتوحيدك، وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان، يعرفك بها من عرفك، لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك، فتقها ورتقها بيدك، بدؤها منك وعودها إليك، أعضاد وأشهاد ومناة وأذواد وحفظة ورواد، فبهم ملأت سماءك وأرضك، حتى ظهر أن لا إله إلا أنت، فبذلك أسألك، وبمواقع العز من رحمتك، وبمقاماتك وعلاماتك، أن تصلي على محمد وآله، وأن تزيدني إيماناً وتثبيتاً، يا باطناً في ظهوره، وظاهراً في بطونه ومكنونه، يا مفرقاً بين النور والديجور، يا موصوفاً بغير كنه، ومعروفاً بغير شبه، حادَّ كل محدود، وشاهد كل مشهود، وموجد كل موجود، ومحصي كل معدود، وفاقد كل مفقود، ليس دونك من معبود، أهل الكبرياء والجود، يا من لا يكيف بكيف، ولا يؤيَّن بأين، يا محتجباً عن كل عين، يا ديموم يا قيوم، وعالم كل معلوم، صل على عبادك المنتجبين، وبشرك المحتجبين، وملائكتك المقربين، وبُهَمِ الصافّين الحافّين، وبارك لنا في شهرنا هذا المرجب المكرم وما بعده من الأشهر الحرم، وأسبغ علينا فيه النعم، وأجزل لنا فيه القسم، وأبرر لنا فيه القسم، باسمك الأعظم الأعظم، الأجل الأكرم، الذي وضعته على النهار فأضاء، وعلى الليل فأظلم، واغفر لنا ما تعلم منا ولا نعلم، واعصمنا من الذنوب خير العصم، وأكفنا كوافي قدرك، وامنن علينا بحسن نظرك، ولا تكلنا إلى غيرك، ولا تمنعنا من خيرك، وبارك لنا فيما كتبته لنا من أعمارنا، وأصلح لنا خبيئة أسرارنا، وأعطنا منك الأمان، واستعملنا بحسن الإيمان، وبلغنا شهر الصيام، وما بعده من الأيام والأعوام، يا ذا الجلال والاكرام. (مصباح المتهجد: 556).

وهذا الدعاء ضعيف السند كما أفاد المحقق السيد الخوئي قدس سره، ولكن بما أن هذا التوقيع لا يتعلق به حكم إلزامي فلا بأس بالدعاء به رجاءً مثل كثير من الأدعية التي رويت بأسانيد ضعيفة أو رويت من غير أسانيد.

وأما وصف السيّد قدّس سرّه لهذا التوقيع بأنه «غريب من أذهان المتشرعة، وغير قابل للإذعان بصدوره عن المعصوم عليه السلام» فلا أعلم مراده بالضبط، ولعله لما ورد فيه من قوله عليه السلام: «لا فرق بينك وبينها إلَّا أنّهم عبادك وخلقك».

فإن كان سبب قوله هذا ما احتملناه فإن هذه العبارة لا نقطع ببطلانها وفسادها، ولا نجزم بعدم صدورها عن إمام العصر عجّل الله تعالى فرجه الشريف؛ لأن هذه العبارة لا تستعصي على التأويل بما يتفق مع قواعد المذهب وأصوله المعروفة، وقد سُئل السيد الخوئي قدس سره كما في (صراط النجاة) عن معنى هذه العبارة فذكر في معناها وجهاً صحيحاً محتملاً.

قال السائل: ما معنى العبارة الواردة في دعاء رجب اليومي: «لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك»؟

فأجاب قدّس سرّه بما نصّه: لعلها تشير إلى أنهم مع بلوغهم في مرتبة الكمال إلى حدّ نفوذ التصرّف منهم في الكون بإذنك، فهم مقهورون لك؛ لأنهم مربوبون لك، لا حيلة لهم دون إرادتك ومشيتك فيهم بما تشاء، والله العالم. (صراط النجاة  3/318).

ولعل المراد بقوله: «لا فرق بينك وبينها» أي لا فرق بينك وبين آياتك المذكورة قبل ذلك الذين هم أئمة أهل البيت عليهم السلام «إلَّا أنّهم عبادك وخلقك»، وعدم الفرق هنا من الجهات الواردة في الدعاء قبل ذلك حيث قال: «اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك، المأمونون على سرك، المستبشرون بأمرك، الواصفون لقدرتك، المعلنون لعظمتك، أسألك بما نطق فيهم من مشيتك، فجعلتهم معادن لكلماتك، وأركانا لتوحيدك وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان، يعرفك بها من عرفك، لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك».

فإنهم عليهم السلام موصوفون بأنهم مأمونون على سر الله تعالى، وأنهم واصفون لقدرته، ومعلنون لعظمته، وأنهم معادن لكلماته وأركان لتوحيده سبحانه وغير ذلك، فلا فرق بينهم وبين الله تعالى في وصف قدرته والإعلان بعظمته وتبليغ أحكامه وغير ذلك، إلا أنهم عباد لله وخلق من خلقه انتجبهم الله تعالى واختارهم لتبليغ كلماته والدعوة إلى سبيله، ولهذا قال: «يعرفك بها من عرفك» يعني أن من عرفك حق معرفتك فإنه قد عرفك بهذه الآيات وهم أهل البيت عليهم السلام، فلا فرق بينك وبينهم في التعريف بك وبيان أحكامك، فكما أن قولك حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإن قولهم كذلك حجة لازمة، لا يحل إنكارها ولا يجوز جحدها، والفرق بينك وبينهم من هذه الناحية هي أنهم عبادك وخلقك يبلغون عنك وأنت رب لهم قد أمرتهم بتبليغ ما بلغوه عنك.

وقد وجدت كلاماً للسيد حسين البروجردي قدس سره في تفسير الصراط المستقيم يبيّن فيه أنه لا محذور في ألا يكون بينهم عليهم السلام وبينه سبحانه وتعالى أي فرق من الجهة التي بيَّناها، وقد مثل لذلك بمثال جميل، فقال:

ومثالهم في هذه الحال بالنّسبة إلى فعل الله ومشيئته مثل الحديدة المحماة بالنّار، فانّه يصدر عنها ما يصدر عن النّار من الإضاءة والإحراق، لا فرق بينها وبينها إلَّا أنّ الحديدة حينئذ محل فعل النّار ومظهر شؤونها، كما أنّهم عليهم السّلام محال مشيئة الله سبحانه المظهرون لأمره العاملون بإرادته، ولهم أيضاً مقامات أخر باعتبار كونهم التشريعي التبليغي النّاسوتي من أكلهم وشربهم ونكاحهم وتبليغهم الشرائع والأحكام إلى كافة الأنام وغيرها ممّا لا ريب في أنّهم مأمورون بها إقامةً لمنصب النبوّة والولاية ورسم التبليغ ... (تفسير الصراط المستقيم 5/394).

فإذا اتضح ذلك نقول: إنه لا شك في أن السيد الخوئي قدس سره لا يريد بكلامه إن جميع فقرات التوقيع معانيها غريبة عن أذهان المتشرعة، وإنما الموصوف بذلك هو بعض عبارات التوقيع؛ لأنه لا يوجد في التوقيع عبارات أخرى موهمة إلا هذه العبارة التي ذكرناها، وسائر فقرات التوقيع معانيها صحيحة، وموافقة لما دلت عليه الأخبار الكثيرة المقطوع بصحتها.

ولعل مراد السيد الخوئي قدّس سرّه من قوله: إن مضمون التوقيع «غريب من أذهان المتشرعة، وغير قابل للإذعان بصدوره عن المعصوم عليه السلام»، هو أن حمل هذه الفقرة على ظاهرها والحكم بالتسوية بينهم عليهم السلام وبين الخالق جلّ وعلا في كل شيء إلا في كونهم مخلوقين وكونه سبحانه خالقاً لهم، غريب عن أذهان المتشرعة الذين ينفون تشبيه المخلوقين بالخالق سبحانه، وحملها على هذا المحمل يجعلنا نقطع بأن هذا الحديث غير صادر عن المعصوم عليه السلام.

أو أن مراده قدس سره هو أن بعض ما ورد في هذا التوقيع غير مألوف عند المتشرعة، مثل هذه العبارة التي ذكرناها، وهذه الفقرة مع أن لها معنى صحيحاً على بعض الوجوه ومنها الوجه الذي ذكره السيد قدس سره في صراط النجاة إلا أنه غير مألوف، وكون معنى هذه الفقرة غريباً عن أذهان المتشرعة لا يستلزم القول بفساده، نعم ورود أمثال هذه التعابير التي لم نألف صدور أمثالها عن أئمة أهل البيت عليهم السلام يجعلنا لا نقطع بصدور هذا الدعاء عن المعصوم عليه السلام، وإن كان صدوره عنه عليه السلام محتملاً.    

 

الشيخ علي آل محسن