الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني
مرات العرض: «3357» حفظ الصورة تكبير الصورة
أستاذ الفقهاء والمجتهدين الفقيه الأصولي والحكيم الألمعي آية الله العظمى
المحقق الشيخ محمد حسين الأصفهاني قدس سره

ولادته ونشأته:

ولد الشيخ محمّد حسين بن محمّد حسن بن علي أكبر الغروي الأصفهاني المعروف بالكمباني في الثاني من المحرّم سنة 1296 هـ في مدينة النجف الأشرف وكان أبوه (رحمه الله) الحاج محمد حسن من مشاهير تجار الكاظمية الأتقياء الذين يشار إليهم بالأنامل، وكان محباً للعلم والعلماء فعاش الشيخ محمد حسين في كنفه عيشة ترف ونعمة، وخلّف له أبوه من التراث الكثير الذي أنفقه فيما بعد في سبيل طلب العلم.

وقد بدأ بدارسته الدينية في مدينة الكاظمية، وكان يريد الذهاب للنجف الأشرف من أجل إكمال الدراسة الحوزوية لكن والده كان يريده أن يتجه لأمور التجارة ويسلمه الأمور حيث لم يكن لديه ولد غيره، وفي أحد الأيام كان الولد والأب في صحن الإمامين الجوادين عليهما السلام توجه الابن إلى الإمام الكاظم عليه السلام وسأل الله بجاهه أن يليّن موقف أبيه المعارض لرغبته وتوجهه، فما إن أتم توسله وإذا بأبيه يسأله: هل لا زلت على رغبتك في التفرغ للدراسة الحوزوية؟ فأجابه بالإيجاب، فقال له: اذهب إلى النجف وادرس.

هجرته إلى النجف الأشرف:

انتقل الشيخ الأصفهاني إلى النجف الأشرف في سنة 1316هـ، فحضر بحث آية الله العظمى المحقق السيّد محمّد الأصفهاني الفشاركي قليلاً حيث توفي في تلك السنة، وحضر بحث العلامة النبيه صاحب مصباح الفقيه آية الله العظمى المحقق آغا رضا الهمداني، وآية الله الشيخ جواد الملكي التبريزي، وحضر في الفلسفة بحث آية الله الشيخ محمّد باقر الاصطهباناتي قدس الله أسرارهم، وعمدة البحوث التي حضرها هو بحث علامة عصره الأصولي الأعظم والمحقق الأفخم آية الله العظمى المحقق الشيخ محمد كاظم الخراساني قدس سره (صاحب الكفاية) ولازمه ثلاثة عشر سنة إلى وفاته أواخر سنة 1329 هـ وأصبح من أشهر تلامذته، وينقل عنه قدس سره أنه لم يتغيب عن درس أستاذه الخراساني إلا يومين، يومٌ أصيب فيه برمدٍ شديد أعاقه عن الحضور، ويوم هطلت فيه أمطار غزيرة فظن أن أستاذه لن يخرج إلى الدرس.

مكانته العلمية وتلامذته:

كان بحث الشيخ الأصفهاني قدس سره يمتاز بالبيان الجزيل والعبارة المحكمة والعمق والشمول، وحسبك أن التطرق لرأي الشيخ الأصفهاني في البحث الخارج مما يرفع شأن ذلك الدرس ويجعله مقصداً للطلاب المشتغلين، بل وصف أستاذ البحث الخارج بأنه متأثر بمدرسة الأصفهاني وبأفكاره يعد مدحاً له حيث تمتاز مدرسة الأصفهاني على المدارس الأخرى بمميزات عديدة، وكيف ما كان فقد كان قدس سره محط أنظار طلاب العلم وعشاقه، وجُل تلامذته أصبحوا أكابر مراجع وفقهاء عصرهم ومنهم:

آية الله السيّد أبو القاسم الخوئي - آية الله السيّد محمّد هادي الميلاني - آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري- آية الله السيد علي البهشتي- آية الله السيّد محمّد حسين الطباطبائي (صاحب تفسير الميزان) - آية الله الشيخ عبد الحسين الأميني (صاحب الغدير)- آية الله الشيخ محمّد تقي بهجت- آية الله السيد محمد الروحاني- آية الله السيد محمد صادق الروحاني- آية الله الشيخ محمّد حسين المظفّر - آية الله الشيخ محمّد رضا المظفّر – آية الله الشيخ محمد طاهر آل راضي.

وتجدر الإشارة إلى أن السيد الخوئي والسيد الميلاني قدس سرهما كانا من أكثر طلاب المحقق الأصفهاني اشتغالاً وقرباً منه وأعزهم مكانة لديه، حتى أنه كان يقول مشيراً إليهما: عندي تلميذان كل واحد منهما خير من ألف من الطلبة المحصلين.

حبّه لأهل البيت عليهم السلام:

كان لدى الشيخ الأصفهاني شوق وافر وحبّ مفرط بأهل البيت عليهم السلام، وكلّما تحين الفرص المناسبة تراه يذهب إلى زيارة الأئمّة عليهم السلام، وحين فراغه من الزيارة يصلّي صلاة جعفر الطيّار بدل ركعتي صلاة الزيارة، ويهدي ثوابها للأرواح المطهّرة للأئمّة عليهم السلام، وقد حافظ على هذه السنّة طيلة حياته، وكان لديه حبّ خاص للإمام موسى الكاظم عليه السلام ويهتم اهتماماً كبيراً بزيارته .
وكان في العشرة الأُولى من شهر محرّم الحرام يشارك في مجالس العزاء، فيبكي كثيراً على الإمام الحسين الشهيد عليه السلام وأصحابه، حتّى تحمرّ عيونه من كثرة البكاء .

صفاته وأخلاقه :

جمع قدس سره بين العلم والعمل، وبين الذوق والتقوى، وكان صاحب طباع حميدة وكلام جميل، ويمتاز أيضاً بالوقار والسكينة، وحسن المعاشرة، والتواضع مع الجميع حتّى الأطفال.
وكان دائم التفكير، سريع البديهة، متفتق الذهنية، حاضر الجواب، مبتعداً عن التكلُّف، يتكلّم بأدب ورزانة، وفي الوقت نفسه كان يحافظ على الحشمة والزهد، وكان يتميّز بوقار العلماء، وحياته كانت بسيطة بعيدة عن الإسراف والتبذير، ولا يميل إلى الشهرة والرئاسة، بل كان عجيباً في نكران الذات وعدم الاعتداد بنفسه وهو الذي كتب أكثر (نهاية الدراية) في حياة أستاذه الآخوند أي كان في بداية شبابه إلا أنه ظل-حتى بعد ذلك الوقت -متردداً في أنه مجتهد أو لا؟!! بخلاف هذا العصر الذي كثر فيه المدعون للاجتهاد !!

أقوال العلماء فيه ونظرهم إليه:

1ـ قال تلميذه الشيخ محمّد رضا المظفّر: هو من زمرة النوابغ القلائل الذين لا يضن الزمان بهم إلاّ في فترات متباعدة، وهو أحد الشخصيات اللامعة في تاريخ علمي الفقه والأُصول، وإذا كان أحد يصح أن يقال فيه: إنه جاء بما لم يجيء به الأوائل فهو هذا العمود لفجر الإسلام الصادق الذي انطفأ قبل شروق شمس نهاره لتراه كل عين (يقصد عدم طول عمره الشريف) ما سلك بحثاً للعلم إلا وتطاير فضول ما علق به من الأوهام هباءً، وما حبرت يراعته مسألة إلا وحيرت العقول كيف تذهب آراء الباحثين جفاءً. لو قدر لهذا النابغة العظيم أن يمد في عمره إلى حين تثنى له الوسادة ويتربع كرسي الرئاسة العامة لقلب أسلوب البحث في الفقه والأصول رأساً على عقب ، ولتغير مجرى تاريخهما بما يعجز عن تصويره البيان.

2ـ قال الشيخ آغا بزرك الطهراني: كان محترم الجانب، موقراً من قبل علماء عصره، مرقوماً في الجامعة النجفية، اشتغل بالتدريس في الفقه والأُصول والعلوم العقلية زمناً طويلاً، كانت له قدم راسخة في الفقه وباع طويل في الأُصول، وآثار في ذلك تدلّ على أنظاره العميقة وآرائه الناضجة .

3- قال السيد عبد الحسين شرف الدين: المحقق المدقق الشيخ محمد حسين الأصفهاني شارح الكفاية، كان من العلماء المؤملين للمرجعية العامة بعد الطبقة الأولى في ذلك العهد، وكان ذا مدرسة خاصة في علم الأصول، وقد توّسع فيه فلحقه بأصول الفلسفة، وأخضع الفكر للمنطق إلى أبعد حد، فكانت مدرسته تسيطر على حلقة ذات شأن في النجف، وكان هو قائماً على أساسها، وله في نفوسهم مقام شامخ يتطوعون له ويدعون إليه، ويفضلون أسلوبه نقضاً وإبراماً على سائر الأساليب العلمية المعروفة يومئذٍ في تربية ذوي الملكات العلمية، وتخريج أولي الفكر في الفقه والأصول، وكان من المنتظر أن يرقى إلى قمة الزعامة الكبرى لو امتدت به الحياة.

4ـ قال السيّد محمّد حسين الطباطبائي: إنّ الشيخ الأصفهاني كان عالماً جامعاً للعلم والعمل والتقوى والذوق ، وكان يتملك طبعاً رصيناً وكلاماً جميلاً.

5- يُنقل أن تلميذه المحقق الميلاني قدس سره كان يراه أعلم علماء الإسلام.

6- سمعتُ من المرجع الكبير الشيخ الفياض دام ظله ناقلاً عن أستاذه مرجع الطائفة المحقق الخوئي: إن المحقق الأصفهاني كان ذا عبادة وتهجد ورياضة، وقد جمع بين العلم والعبادة وكان قوياً فيهما، وكان يصلي بشكل دوري الصلاة المتضمنة لقراءة سورة التوحيد ألف مرة.

7- ينقل المرجع السيد الشبيري الزنجاني دام ظله: سمعتُ من الأستاذ العلامة الطباطبائي أنه قال: إن مقام ثبوت الشيخ الأصفهاني في الأصول أقوى من مقام إثباته.

مؤلفاته:

نهاية الدراية في شرح الكفاية1-6، وهي من أهم الحواشي على الكفاية، وتمتاز بالدقة الفائقة وضغط المطالب وشحن المطالب الفلسفية في ضمن الأصول، لا يدركها حق الإدراك إلا القليل كما نصّ على ذلك غير واحد من الأعلام، وينقل عن زعيم الحوزة العلمية السيد الخوئي أنه قال: إن شرح الشيخ الأصفهاني على الكفاية يحتاج إلى شرح .
حاشية المكاسب 1- 5 والتي يعدها غير واحد من الأعاظم –كالسيد محمد الروحاني والشيخ الوحيد الخراساني- أفضل حاشية على المكاسب.
بحوث في الأصول. رسالة في الصحيح والأعم . رسالة في الحقيقة الشرعية . رسالة في اشتراك الألفاظ. رسالة في الاجتهاد والتقليد والعدالة . رسالة في صلاة المسافر . رسالة في صلاة الجماعة . رسالتان في المشتق . الأنوار القدسية ديوان شعره.

وفاته :

توفّي الشيخ الأصفهاني قدس سره في الخامس من ذي الحجّة 1361 هـ على أثر جلطة قلبية ألمّت به وكان نائماً, وبوفاته فقدت الحوزة العلمية ركناً قويماً من أركانها, وعلى أثر انتشار نبأ وفـاتـه هـبت الجموع الغفيرة, من العلماء والمدرسين والفضلاء والطلبة وغيرهم, لتشييعه و قد بدت معالم الأسف والحزن والأسى على وجوههم، ودفن عند المنارة الشمالية بجوار مرقد أمير المؤمنين عليه السلام.

ولا بأس بنقل هذه القصة التي يذكرها السيد الشبيري الزنجاني دام ظله:

بلغني أن المرحوم آية الله العظمى السيد جمال الدين الگلپايگاني ذات ليلة وبعد أداء صلاة الليل رأى المرحوم الأغا ضياء الدين العراقي في المكاشفة - وكان ذلك بعد وفاته بأسبوع - فقال له الشيخ: أنا ذاهبٌ الى الشيخ محمد حسين!
فقال السيد جمال لولده السيد محمد: إذهب الى بيت الشيخ محمد حسين الأصفهاني وانظر ما هي الأخبار، فذهب السيد محمد ولم يجد خبراً خاصاً.
فلما أصبح الصباح وارتفع النهار، كانت عائلة الشيخ محمد حسين بانتظاره لينضم إليهم على مائدة الإفطار، فطال انتظارهم ولم يأت الشيخ فاكتشفوا بعد ذلك أنه قد توفي.
وقد تبين أن الشيخ محمد حسين كان قد توفي في نفس الساعة التي حدثت فيها المكاشفة للسيد جمال وكلامه مع الآغا ضياء العراقي. [الشيخ العراقي قد توفي في 28 ذي القعدة والشيخ الأصفهاني في 5 ذي الحجة من نفس السنة.]


لروحه وأرواح علماءنا الماضين نقرأ المباركة الفاتحة مع الصلاة على محمد وآل محمد.


كتبها: محمد جعفر الزاكي



السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني
السيد محمد كاظم الشريعتمداري